تستضيف مصر الدورة الـسابعة والعشرين من مؤتمر الأطراف لإتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ عام 2022 (Cop27)، خلال الفترة من 7 – 18 نوفمبر 2022 والذي يقام في مدينة شرم الشيخ.
بهذه المناسبة نصوغ هذا المقال الذي يربط ما بين التغير المناخي وبين قضايا النساء عامة ، فقد تطرق وربط الكثيرون من علماء البيئةوالعاملين في مجال حقوق المرأة ما بين مكافحة التغير المناخي وتمكين النساء إقتصادياً حتي يستطعن التعامل مع الصعوبات والكوارث الناتجة عن التغير المناخي من جهة وأهمية تمثيلهن العادل في قمم المناخ من جهة أخري لدورهن البارز في مكافحة التغير المناخي وكونهن صاحبات النصيب الأقل من الرجال في التلوث البيئي.
النساء هن الأقل مساهمة في التغير المناخي، ولكنهن الأكثر تضرراً من آثاره
معدل الإنبعاثات الذي تتسبب فيه النساء يعد أقل من الرجال لأنهن يتناولن كميات أقل من اللحوم فضلا عن معدل قيادة النساء للسيارات أقل من الرجالقال مينال باثاك أحد العلماء البارزين في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، إن النساء “تميل إلى إتخاذ خيارات أكثر منطقية فيما يتعلق بالبيئة، كذلك فإن النساء أقل تمكينا وحظا في إتخاذ قرارات بشأن أنماط الحياة شديدة التلوث للبيئة ففي بعض الأحيان تكون النساء خارج نطاق إتخاذ القرار”.
رغم صغر سن أزميرالدا _ذات الخمسة عشرة ربيعاً _ مندوبة الحركة الوطنية للأطفال والمراهقين العاملين المنظمين في بيرو، إلا أنها صاغت في جملة بليغة أثار تغير المناخ علي النساء، فقالت ” تتعرض النساء والفتيات لآثار تغير المناخ بشكل غير متكافئ علي مستوي العالم كله وغالباً ما يتركن خارج المدرسة أو غير قادرات علي العمل ، كما تعتمد العديد من الفتيات علي شركائهن، مما يزيد من خطر العنف الإقتصادي والجسدي والنفسي”.
يؤكد تقدير برنامج الأمم المتحدة للبيئةما قالته أزميرالدا، حيث جاء به أن 80% من المشردين بسبب تغير المناخ هم من النساء،و يضيف بأنهن في حال تشردهن يصبحن أكثر عرضة للعنف، بما في ذلك العنف الجنسي. فمعيشتهن في الخيام أو المخيمات تعرضهن للعنف الجنسي أثناء النوم أو الإغتسال أو الإستحمام أو تغيير الملابس.
ففي عام 1991 في بنجلاديش كانت حصيلة ضحايا إعصار غوركي بين النساء مرتفعة بمعدل تسع مرات عن الرجال، فيما كان عدد النساء اللاتي يتعين عليهن ترك منازلهن علي وقع حرائق الغابات عام 2009 في استراليا ضعف عدد الرجال ، عندما ضرب الجفاف كينيا عام 2016 وخلف أكثر من مليوني شخص في خطر الجوع، كان يتعين علي النساء الإنتظار طويلاً للحصول علي مساعدات غذائية.
ويزداد العبءالذي تتحمله النساء العاملات في الزراعة بسبب التغير المناخي من أجل الحصول علي دخل لأسرهن ، كما أن الأزمة البيئية تؤدي لتفاقم أنماط التمييز والعنف القائمة أصلاً ضد النساء.
النساءبدول جنوب الكرة الأرضيةيصبحن أكثر عرضة للاعتداء الجنسي أثناء فترات الجفاف والتصحر، فندرة مصادر المياه تدفع النساء – اللاتي يتحملن عادة مسئولية إحضار المياه للأسرة- للسير مسافات طويلة بما يعرضهن للإعتداء خصوصاً في المناطق التي بها عصابات مسلحة.
قد تؤدي ندرة الماء إلي إصابة النساء بمشاكل صحية خاصة في أوقات الدورة الشهرية، و علي الرغم من أن النساء هن من يجلبن الماء إلا أنهن آخر من يشربنه إذ تكون الأولوية للرجال ، وخلال الفيضانات تكون المرأة أيضاً الأكثر تضرراً من نقص خدمات الصرف الصحي مما يشكل خطراً عليهن خاصة في فترات الدورة الشهرية ، كما أن نقص خدمات الصرف الصحي يؤثر علي عمل النساء، ففي بنجلاديش تضطر ثلثا العاملات إلي عدم الذهاب إلي العمل لستة أيام شهرياً أثناء الدورة الشهرية لعدم وجود مراحيض آمنة.
كما يؤثر التغير المناخي علي تعليم الفتيات، إذ تجد الفتيات صعوية في الذهاب إلي المدارس حيث تكون مهامهن الرئيسية جلب الماء في حال الجفاف.
- النساء الأكثر انخراطا في النضال لوقف التغير المناخي، لكنهن الأقل تمثيلاً في القمم العالمية
يؤثر المناخ المتغير على الجميع، لكن أفقر العالم ومن هم في أوضاع هشة،وخاصة النساء والفتيات، هم من يتحملون وطأة الصدمات البيئية والإقتصادية والإجتماعية.لكن نفس النساء والفتيات هن أيضاً من أوائل من تبنوا التقنيات الزراعية الجديدة، وأول المستجيبين عند وقوع الكوارث، وصناع القرار المهمين في المنزل بشأن الطاقة والنفايات ، لذا لا يمكن أن يكون العمل المناخي ناجحاً أو مستداماً إذا لم يشمل النساء.
وعلي مستوي النضال من أجل وقف ظواهر التغير المناخي المدمرة نجد النساء في المقدمة فقد وجد العلماء أدلة تثبت أن النساء ساهمن بشكل أكبر في التغيرات الهيكلية الرامية إلي محاربة ظاهرة التغير المناخي ، كما قادت النساء والفتيات الاحتجاجات التي تدعو الدول إلي مكافحة الظاهرة في إطار حركة ” أيام الجمعة من أجل المستقبل” (The Fridays for Future movement هي حركة الفاعلين الأساسيين فيها هم تلاميذ المدارس، بدأت بدعوة أطلقتها التلميذة السويدية غريتا تونبيرغ ، وتحولت لحركة عالمية، كانت آخر فاعلية دعت إليها هي تظاهرة خرجت في خمس قاراتيوم 24 سبتمبر 2022) حيث كانت نسبة مشاركة النساء في المظاهرات أكثر من الرجال.
تقول أولريكارور من الأعضاء المؤسسين لمنظمة جندرCC – نساء من أجل العدالة المناخية علي الرغم من أن النساء يتضررن أكثر من تبعات التغير المناخي مقارنة بالرجال، إلا إنهن غير ممثلات بما يكفي ، فالمرأة تتحمل مسؤولية إطعام الأسرة في معظم البلدان، لذا فهيتشعر أكثر من الرجل بما قد يعنيه نقص المياه والجفاف.
علي الرغم مما كشفه تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ من أن مستويات التلوث تكون أقل في البلدان التي تحظي فيها النساء بتأثير سياسي أكبر، إلا أن هناك دول علي رأسها نساء، لكنها كانت بطيئة في تنفيذ السياسات الرامية إلي تقليل إنبعاث الكربون، فعلي سبيل المثال أعاقت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تمرير الإصلاحات في قطاع صيانة السيارات داخل الاتحاد الأوربي ، بيد أن الإتجاه العام يدل علي أن النساء تعطي أولوية لقضية تغير المناخ خلال الإنتخابات وفي أماكن العمل، لذا فإن المرأة تميل إلي الإنضمام للحركات المدافعة عن البيئة أكثر من الرجال.
لذا يري خبير البيئة مينال باثاك أنه في حال تحسين سبل مشاركة النساء في الحياة السياسية، فإن العمل المناخي سيكون أفضل، وأن العمل المناخي في البلدان التي تتمتع فيها المرأة بصوت أقوي خاصة في السياسة يمضي بوتيرة أسرع.
تضيفليزا شخيبر، التي شاركت في إعداد التقرير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ” عندما يتم إستبعاد أي شخص من عملية إتخاذ القرار، كما هو الحال بالنسبة لمعظم النساء في معظم البلدان، ففي هذه الحالة لا يمكن لأي شخص إتخاذ قرارات بشأن الموارد التي تكون في أمس الحاجة إليها”.
أوصت ميشيل باشيليت، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بضرورة عمل الدول من أجل تمكين النساء وذلك في إطار التأهب للكوارث وتوفير وسائل بديلة لكسب العيش عندما تواجه أزمة مناخية.
في عام 2014، تبنى المندوبون إلى مؤتمر التغير المناخي “كوب 20”برنامج عمل ليما حول النوع الاجتماعي لتشجيع مشاركة المزيد من النساء في المفاوضات المُتعلقة بتغير المناخ ، لكن بعد خمس سنوات، و في مؤتمر المناخ “كوب 25” الذي انعقد في مدريد، كان 60٪ من المندوبين الحكوميين و 73٪ من رؤساء ونواب رؤساء الوفود من الرجال ، وقد أدى هذا الإختلال إلى إعتماد “برنامج عمل ليما” وخطة العمل المُعززة حول النوع الاجتماعي ، وبموجب الخطة المُعززة، تعهدت الأطراف المشاركة في محادثات المناخ العالمية بتعيين ودعم جهات التنسيق الوطنية المعنية بالقضايا الجندرية وتغير المناخ في المفاوضات المُتعلقة بالمناخ، ولتنفيذ ورصد المشاريع ومع ذلك، في الفترة ما بين 2019 و 2021، شغلت النساء 33٪ فقط من جميع المناصب القيادية في مفاوضات تغير المناخ وآليات الخبراء.
لكن الجهود مُستمرة لإشراك النساء في هذه المناقشات ، فقد تضمنت الإتفاقية النهائية الصادرة في ختام مؤتمر “كوب 26” في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في غلاسكو المساواة بين الجنسين وقيادة المرأة بإعتبارهما عنصرين رئيسيين في سياسات المناخ وإستراتيجيات العمل.
- آثر التغير المناخي في مصر، وتمثيل النساء
وبالنسبة لمصر، فقد إنعكس الارتفاع غير المسبوق لدرجات الحرارة في مصر خلال صيف 2021 علي حجم إنتاجيةمحاصيل الفاكهة والخضار بنسب تعدت الـ 50% في بعضها، ما عرض المزارعين لخسائر فادحة، وعرض المستهلك لموجة غلاء بسبب قلة المعروض مقارنة بحجم الطلب ، من أبرز المحاصيل التي تأثرت بموجة الحر الشديدة خلال ذلك الصيف، محصولا الزيتون والمانجو، فقد تراجعت إنتاجية الزيتون بنسبة 60% إلي 80% في ذلك العام مقارنة بالعام السابق هذا فضلاً عن بعض المحاصيل التي لا تواجه أزمة في كمية الإنتاجية، بقدر ما تواجه أزمة في الجودة بسبب التقلبات المناخية وما سينتج عنها من تلف التربة الزراعية وإنتشار الآفات، ونقص حجم وجودة الموارد المائية، حيث تصبح المحاصيل الزراعية أقل نضجاً، وأكثر عرضة للتلف والإصابة بالأمراض خاصة خلال عمليات التخزين والنقل.
من المتوقع أن تؤثر التغيرات المناخية علي قطاع السياحة، حيث تتعرض الحياة البحرية وخاصة الشعاب المرجانية للعديد من التهديدات في ظل التقلبات المناخية وإرتفاع درجات الحرارة فوق معدلاتها الطبيعية، مما يؤثر علي السياحة في مصر خاصة وأن مصر تحتل المرتبة الأولي من حيث الدول الأعلى في قوائم السياحة القائمة علي الشعاب المرجانية ، لذا أصبحت مصر واحدة من ضمن الدول الساحلية المعرضة لفقدان نسبة كبيرة من إيرادات سياحة الشعب المرجانية ، من ناحية أخري قد تتعرض الوجهات السياحية المختلفة والشواطئ لخطر الفياضانات والسيول، مما يؤثر علي البنية التحتية، ويؤدي لتدمير العديد من الإستثمارات السياحية التي تتنوع ما بين قري وفنادق ومنتجعات واقعة علي طول السواحل المصرية البحرية وتقدر قيمتها بمليارات الدولارات.
كما نعلم جميعاً فإن النساء حتى من لا تعمل منهن هي من يقع علي عاتقها – في الغالب الأعم- تصريف أمور الإنفاق بالمنزل ، وبالتالي عند نقص دخل الأسرة، سواء بسبب نقص المحاصيل بالنسبة للأسر المعتمدة علي الزراعة، أو نقص الدخل، أو حتي عدمه ( في حالة فقد العمل)، يكون علي المرأة أيضاً عبء التصرف.
هذا بخلاف أن النساء المشتغلات بالزراعة يمثلن 18.8% من إجمالي النساء العاملات ( في النشرة السنوية المجمعة لبحث القوي العاملة 2021، الصادرة في أبريل 2022، فعدد النساء المشتغلات بالزراعة 799800، بينما إجمالي النساء المشتغلات هي 4251300)، كما أنهن يمثلن 15.3% من إجمالي العاملين بالزراعة.
ليس لدينا دراسات كثيرة تربط ما بين المسارين ( المناخ- والمرأة)، وإن كان الكثيرون ممن كتبوا في الموضوع قد ربطوا بين الكثير من القضايا في الدول العربية الخاصة بالمرأة ومسألة التغير المناخي ، فبدأً من تأثير العادات والتقاليد والذي قد يمنع في الكثير من الاحوال الفتيات والنساء من تعلم مهارات السباحة، والتي قد تمكنها من النجاة في حالات الأعاصير ، إلي التطرق لمسألة الميراث وعلاقته بتمكين المرأة اقتصادياً، مما يتيح لها إتخاذ قرارات بشأن الزراعة تفيد في تقليل الإنبعاثات.
سنحاول البحث في مسألة تمثيل النساء في مصر في اللجان التي تعمل بمسألة التغيرات المناخية، فيما هو متاح من بيانات بمحاولة البحث في كيفية تشكيل المجلس الوطني للتغيرات المناخية بموجب م1 من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1912 لسنة 2015) المنشور بالجريدة الرسمية، العدد 32 في 6 أغسطس 2015) برئاسة وزير البيئة، ونائباً له هو الرئيس التنفيذي لجهاز شئون البيئة، وبقية العضوية عبارة عن ممثلين لـ 20 وزارة وجهة، ضمنها ممثل لإتحاد الصناعات المصرية، دون ذكر لممثل عن الإتحادات العمالية أو للمرأة، وعدد (2 ) خبراء وطنيين، والمنسق الوطني لإتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ. إلا أننا ليس لدينا أسماء من تم إختيارهم لتمثيل تلك الجهات لكي نعرف ما هي نسبة تمثيل النساء.
لذا فلننظر للجنة العليا، والتي يكون التمثيل فيها علي مستوى الوزراء، فطبقاً للمادة 2 من القرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1129 لسنة 2019 (المنشور بالجريدة الرسمية، العدد 18 (مكرر) في 7 مايو 2019.)، يتكون المجلس الوطني للتغيرات المناخية من: اللجنة العليا، المكتب التنفيذي، مجموعات العمل الفنية.
تُشكل اللجنة العليا طبقاً لـ م 3 من نفس القرار من تسعة أعضاء، 7 وزراء ( الخارجية- الإستثمار والتعاون الدولي- الموارد المائية- التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري- المالية- البيئة- الزراعة) بالإضافة إلي ممثل عن وزارة الدفاع، ومقرر المجموعة الوزارية للخدمات ، اللجنة العليا هي السلطة المهيمنة علي شئون المجلس وتصريف أموره وإعتماد السياسة العامة له م4. في التشكيل الوزاري الحالي لدينا وزيرتان فقط في التشكيل الوزاري ممن سيكونون ضمن اللجنة هن: د. رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، والدكتورة ياسمين صلاح الدين، وزير البيئة.
مما يعني أن تمثيل النساء علي هذا المستوى هو 22% فقط، ولا نعرف ما هو تمثيل النساء في تشكيل المجلس الوطني كما غاب عن المنظمين إشراك النساء في المجتمع عبر حوارات إجتماعية واسعة، يتم إعلام النساء من خلالها في كافة طبقات المجتمع مخاطر التغير البيئي عليهن وعلي عائلاتهن، وتكون لديهن فرصة للدلو برأيهن فيما يواجهن من مشكلات، ورأيهن في الحلول المتاحة لديهن.
لذا نرى أهمية العمل من أجل زيادة تمثيل النساء في مستويات إتخاذ القرار المختلفة بالنسبة للتغير المناخ، ونشر تلك التشكيلات بشكل مستمر، حتي تكون هناك إمكانية لقياس التقدم في مسألة تمثيل النساء، كذلك فتح حوارات موسعة في المجتمعات المحلية، خاصة في القري.
العمل علي تنفيذ ما جاء بإستراتيجية ” تحت عنوان تعزيز قدرة المرأة علي مواجهة المخاطر المرتبطة بالبيئة والتغير المناخي والإستهلاك غير المستدام”، من خلال وضع مستهدفات قابلة للقياس، ونشر النتائج.