لدينا في مصر تاريخ دستورى عريق ونصوص ومبادئ دستوريه جيده بل ورائعه تؤصل العديد من الحقوق والحريات العامه لكن السلطات التشريعيه والقضائيه والتنفيذيه تنظر إلى هذه الحقوق بإعتبارها تخمه دستوريه ودهون زائده يجب أن يتخلص منها جسم الدوله
من بين هذه الحقوق الدستوريه ” الإضراب ” دائما ما كانت تتدخل السلطه التشريعيه لتفريغ هذا الحق من مضمونه عن طريق سن التشريعات المخالفه للدستور والمناهضه للإتفاقيات الدوليه أو التدخل بالاجراءات التنفيذيه التى تضع قيودا على ممارسة هذا الحق
وإذا ذهب العمال إلى القضاء فقلما يحصلون على حقوقهم خاصة فى الفتره الأخيره غيرت السلطه القضائيه بوصلتها بشكل مخيف فى العديد من القضايا مثل قضية النقل العام وعمال الترسانه البحريه وغيرهم
ودائما ما تتلاعب السلطه التنفيذيه في إستقلال السلطه القضائيه عن طريق تعيينات وترقيات أعضائها, ويتم تزييف إرادة الناخبين المكون الرئيسي للسلطه التشريعيه لتسهيل تبعية أعضاء كلا السلطتين فيما بعد بشكل يثير الشفقه على رجال العدل والتشريع , من يضعون القانون ومن يطبقونه
حتى أمسينا فى دوله تحشد كل سلطاتها من تشريعيه وتنفيذيه وقضائيه فى محاربة العمال
القانون _ أي قانون _ هو حدث إجتماعي يؤثر في المجتمع ويتأثر به، فالقانون يعبر عن واقع المجتمع ، ويصوّر آماله ، ويحدد سبل تحقيق هذه الأمال ، ويلمس طموحات الأفراد وإحتياجاتهم، فليس القانون مجرد وثيقة أدبية الإنشاء ترفع الشعارات البرّاقة دون تحقيق أو تطبيق، إنما هو التعبير الواقعي المنظم لعلاقات الأفراد فيما بينهم في إطار من التنظيم المستهدف للصالح العام.
وإذا نظرنا إلى قانون التظاهر رقم 107 لسنة 2013 الذي ينظم الحق فى الإجتماعات العامه والمواكب والتظاهرات السلميه والإضرابات العماليه نجد أنه لعب دور كبير في الإنتقاص من حقوق العمال وخالف الدستور والعديد من الإتفاقيات الدوليه وتوصيات منظمة العمل الدوليه ومنذ صدور هذا القانون والعمال ترفضه شكلا وموضوعا لما فيه من إعتداء على حقوقهم المشروعه فى الإضراب الذى يلجئون إليه مضطرين عندما تنغلق في وحوههم كل الأبواب لتحقيق مطالبهم .
فالتعبير عن الرأى والإحتجاج بكافة أشكاله حقوق عماليه مكتسبه على مدار عشرات السنوات وأكدتها فيما بعد ثورة يناير وموجاتها الثوريه المتتاليه نالتها الطبقه العامله المصريه وقدمت العديد من التضحيات ودماء أبنائها للحصول على هذا الحق فضلا عن أنها دوما حقوق دستوريه
تتعمد السلطه التشريعيه سن القوانين التي تخدم الحاكم بوضع ‘‘كمامات ‘‘علي أفواه كل أطياف المجتمع وفي القلب منهم العمال فقد أورد هذا القانون في مادتيه الثانيه والسابعه :-
المادة الثانية: “الاجتماع العام هو كل تجمع لأفراد فى كل مكان أو محل عام أو خاص يدخله أو يستطيع دخوله أى فرد دون دعوة شخصية مسبقة”
المادة السابعة: “يحظر- فى ممارسة الحق فى الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة- الاعتصام أو المبيت بأماكنها، أو الإخلاء بالأمن أو النظام العام أو تعطيل الإنتاج أو تعطيل مصالح المواطنين أو إيذاؤهم أو تعريضهم للخطر أو الحيلولة دون ممارستهم لحقوقهم وأعمالهم أو التأثير على سير العدالة أو المرافق العامة أو قطع الطرق أو المواصلات أو النقل البرى أو المائى أو الجوى أو تعطيل حركة المرور أو الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة أو تعريضها للخطر”
دائما يكون العامل طرفا ضعيفا في علاقات العمل لا يملك إلا قوته العضلية أو الذهنية يستغلها صاحب العمل بمقابل أجر بخس فى معظم الأحيان ثم يطلب منه أن يعيش هو وأسرته بهذا الفتات ، فدائما يحدث صدام بين العمال وأصحاب الأعمال عند مطالبتهم بحقوقهم المشروعه في عمل لائق أو أجر عادل أو تأمينات اجتماعية أو صحية، أو ضمانات للصحة والسلامة المهنية حيث يرى كل صاحب عمل أن ما يتحقق من أرباح داخل المنشأة أو المصنع الذي يملكه يأتي نتاج عبقريته الفذة الأمر الذي يجعله ينظر للعمال نظره دونيه بشأن حقوقهم في العمل وكأنه يتعطف عليهم بما يمنحهم من حقوق متجاهلا أن كل ما تحقق من إنتاج أو ربح إنما جاء نتاج العمل الجماعي لكافة العمال وليس نتاج عبقرية فردية من أحد.
عندما يقع التعارض ويمتنع صاحب العمل عن إقرار وإنفاذ حقوق العمال لا يجدوا أمامهم إلا الامتناع عن العمل ” الإضراب ” لحين تحقيق المطالب… هنا يبدأ صاحب العمل في النزول من برجه العالي ويبدأ في حساب النتائج المترتبة على توقف العمل وحساب ما فاته من أرباح….
هنا فقط يشعر بالحقيقية أمامه تحدثه وتقول له أن كل هذه الأرباح التى جنيتها تأتى من نتاج العمل الجماعي، وحتى تعود الأرباح مرة أخرى لك يجب أن يعود العمل، وبالتالي يجب الدخول في مفاوضات مع العمال والتعامل معهم كشركاء وليسوا كعبيد .
لطالما حاول رجال الأعمال والحكومات محاصرة العمال ومنعهم من ممارسة هذا الحق، ويشهد التاريخ البشرى أنه تم إحالة العمال للمحاكمات بسبب نصوص وضعتها الحكومات في التشريعات من أجل حرمان العمال من هذا الحق، بل وأطلقوا عليهم الرصاص مرات، وأعدموهم مرات أخرى بعد محاكمات فاشية وعسكرية ولكن نجح نضال عمال العالم فى الصمود أمام هذا الجبروت وإنتزعوا الإعتراف بالإضراب كحق أصيل من حقوق العمال، حصلوا علي هذا الحق قبل تمكنهم من تنظيم أنفسهم في نقابات، والتاريخ يؤكد على أن فكرة تكوين النقابات كتنظيم دائم ومستمر للدفاع عن حقوق العاملين بأجر إنما جاءت وليدة نجاح الإضرابات في تحقيق مطالبهم, وبسبب خوفهم من ضياع نتائج الإضراب كونوا منظماتهم الدفاعية الدائمة لحماية هذه الحقوق والمحافظة عليها وتطويرها.
فحق الإضراب هو أحد الوسائل المتاحة للعاملين بأجر ولمنظماتهم من أجل تعزيز وحماية مصالحهم الإقتصادية والإجتماعية. والإضراب لا يتم من أجل الحصول على ظروف عمل أفضل أو على حقوق جماعية ذات طبيعة مهنية فقط، لكنه وسيلة للوصول إلى حلول أفضل في السياسات الإقتصادية والإجتماعية وكل ما يتعلق بالعاملين من مصالح وحقوق.
لم ينجح العمال في إنتزاع الإعتراف بهذا الحق في منطقة أو في دولة أو حتى في قارة ولكن حصلوا على إعتراف عالمي ودولي بهذا الحق فقد أقرت الشرعية الدولية بحق الإضراب في المادة (8) من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التى ألزمت الدول بأن تكفل الحق في الإضراب عن العمل.
كما إستقرت أجهزة منظمة العمل الدولية على أن منع الإضراب يقلل من الوسائل المتاحة للنقابات من أجل تدعيم مصالح أعضائها والدفاع عنهم، ويعد تقييدا لحقها في تنظيم أنشطتها، ويخالف مبادئ الحرية النقابية، كما أكدت على أنه وحتى لو كان هذا المنع يستند إلى فرض حالة الطوارئ أو لمواجهة أزمة ما فإنه يعتبر قيدا على إمكانية ممارسة النقابات لأنشطتها، فمنع الإضراب- وفي كل الأحوال- يعد قيدا على إحدى الوسائل الهامة المتاحة للعمال لتدعيم مصالحهم.
وفي نفس الوقت تؤكد المنظمة على ضرورة حماية العمال المضربين من التعسف ضدهم بتوقيع العقوبات ضدهم أو ضد قياداتهم بسبب ممارستهم الإضراب.
وتذهب المنظمة إلى أن أشكال الإضراب متنوعة ومتعددة مثل: ( الوقوف مكتوفي الأيدي، أو العمل بدون حماس، أو التباطؤ في العمل، أو إضراب الجلوس على الأرض، أو الإمتناع عن العمل (الكلى أو الجزئي)، أو وقف العمل كل الوقت أو بعضه، أو الإعتصام في أماكن العمل، وغيرها)، فجميعها تعتبر أشكالا صحيحة ومشروعة لممارسة الإضراب المشروع طالما لم تفقد طابعها السلمي.
وتعتبر إجراءات الإذن و التصريح المنصوص عليها فى كلا من قانون التظاهر بشكله الحالى وقانون العمل 12 لسنة 2003 في مواده 192، 193، 194 وما رتبته هذه المواد من إجراءات وجزاءات مبالغ فى تقديرها ومبالغ في تعقيداتها بما يجعل المشرع قد سلك مسلكا يناقض روح النص الدستورى في الماده 15 منه التى قررت أن “الإضراب حق “ومبادئه وقد أفرغ التشريع النص الدستوري من مضمونه لا سيما وأن الإضراب الوحيد الذي وافق هذه الإجراءات التى نظمها قانون العمل هو إضراب طنطا للكتان في 8/2009
كما لا يمكن للعمال أن تستأذن أى جهه إداريه إن أرادت الإضراب كما طلبت هذه القوانين خاصة وأن مطالب الشعب_ وفى القلب منهم عمالهم_ التى تتمثل في العيش والحريه والعداله الإجتماعيه والكرامه الإنسانيه لم تتحقق فقط بل شهدت هذه المطالب تدهورا حادا قد يؤدى إلى إنفجار شعبى في أى وقت
عرف المجتمع الإنسانى منذ نشأته أفعالاً أطلق عليها وصف الجرائم ، ويتوقف تحديد مضمون هذه الأفعال وقدرها على نظرة المجتمع والثقافة التى تسوده ، وهو ما يجعلها عرضة للتبدل والتغير فى مضمونها .
ولذلك فإن مدلول الفعل المجرم “يمكن أن يختلف بحسب زمان ومكان ومضمون النظام الاجتماعى السائد فى المجتمع وهو ما يعنى أن فكرة التجريم هى فكرة نسبية فما كان محلاً للتجريم اليوم فى مجتمع قد لا يكون كذلك غداً فى مجتمع آخر .
وفكرة الضرر الاجتماعى بحسبانها معيار التجريم هى فكرة نسبية كذلك ، إذ تتوقف على نظرة كل مجتمع وما يسوده من قيم وثقافات،
ويثور الخلاف دائما حول تحديد معيار التجريم الواجب إتباعه والذى يضمن سلامة تحديد القيم القانونية المسلم بها فى المجتمع ويحقق الأهداف التى إبتغاها الشارع . وإختلال معيار التجريم يؤدى إلى نتيجة مؤ داها أن القانون لم يعد يعبر عن القيم السائدة فى المجتمع تعبيرًا صحيحا
) الدكتور مأمون محمد سلامة : جرائم الموظفين ضد الإدارة العامة ، مجلة القانون والاقتصاد ، العددالأول ، س ٣٩ ، مارس ١٩٦٩ ، ص ١٣١)
وعلى الرغم من نسبية فكرة التجريم ، فإنه يبقى لها مع ذلك أهميتها بإعتبارها أهم الوسائل لتحقيق ضبط السلوك فى المجتمع ، كما أنها تتضمن حصرا للأفعال التى رأى الشارع جدارة تجريمها ، وتبين ماهيتها وتحدد الغرض من العقاب عليها وهذا يجعل من تجريم الإضراب عملا يأباه المجتمع ولا يرتضيه ويؤدى ذلك إلى توسيع دائرة تجريم الافعال المشروعه
لهذا كانت سلطه المشرع العقابى سلطة تقديريه فالنظام القانونى فى أى مجتمع يجب أن تسوده مبدأ الوحدة فلا تتعارض نصوصه أو تتنافر فيما بينها ، ولما كانت نصوص الدستور تساهم فى تحقيق الإنسجام والترابط فى بنيان النظام القانونى ويتوقف تجريم فعل معين على مجموعة من الإعتبارات التى تسود كل مجتمع ، كما يتوقف هذا التجريم على نظرة الشارع فى هذه المجتمعات . فالتجريم فى حقيقة الأمر هو صدى لما يسود المجتمع من إعتبارات سياسية وإجتماعية وإقتصادية وثقافية وغيرها ،
السلطة التشريعية تتمتع بسلطة تقديرية فى إختيار الأفعال التى ترى أنها تمس بحقوق ومصالح جديرة من وجهة نظرها بالحماية وفى تقدير عقوبتها إلا أن هذه السلطه التقديريه ليست بمنأى عن الرقابة الدستورية فينبغى ألا تخالف بها أهداف الدستور.
. انظر الدكتور أحمد كمال أبو المجد دور المحكمة الدستورية العليا فى النظامين السياسى والقانونى المصرى : مجلة الدستورية ، السنة الأولى ، العدد الثانى ، إبريل ٢٠٠٣ ،
وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في العديد من أحكامها بأن الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط تحد من إطلاقها وتعتبر تخوما لها لا يجوز إقتحامها أو تخطيها وكان الدستور إذ يعهد إلى أى من السلطتين التشريعية والتنفيذية بتنظيم موضوع معين فان القواعد القانونية التى تصدر عن أيهما فى هذا النطاق لا يجوز أن تنال من الحقوق التى كفل الدستور أصلها سواء بنقضها أو إنتقاصها من أطرافها و إلا كان ذلك عدوانا على مجالاتها الحيوية من خلال إهدارها أو تهميشها.
“المحكمة الدستورية العليا جلسة ٦ يناير سنة ٢٠٠١، مجموعة الأحكام س ٩ ، ص ٨٤٣”
وقد تدخل المشرع فى السنوات السابقه ما بعد يناير 2011 بالتجريم والعقاب فى الكثير من المسائل بما له من سلطه كان لزاما أن يقابل ذلك ضوابط يجب علي المشرع الالتزام بها عند إستخدامه لهذه السلطة تجنبا للإفراط فى التجريم والعقاب الذى ينال من حقوق الأفراد وحرياتهم على نحو كبير ، ذلك أن من شأن عدم وجود ضوابط على سلطة الشارع أو عدم فاعليتها أن يهدد بالافتئات على هذه الحقوق ، وأن لا يجعل مركز العامل ضعيفاً تجاه صاحب العمل أو تجاه الدولة . ومن جهة أخرى فإن من شأن وجود هذه الضوابط أن تؤدى إلى تدعيم الثقة بين الحكام والمحكومين ، فالفرد يعلم أن هناك مجالاً محتجزاً لاتستطيع سلطة الدولة أن تتعداه أو أن تتجاوز نطاقه ، وأن هناك ضوابط مصدرها الدستور تتقيد بها السلطة التشريعيه ، والدولة بمراعاة هذه الضوابط تكون قد كفلت إحترام مواطنيها وأعملت مبدأ سيادة القانون.
ونصوص الدستور التى تتصل بأصول التجريم والعقاب تتسم فى حقيقتها بقلتها وعموميتها ، وبتعدد أوجه تفسيرها لذلك فإن دور المحكمة الدستورية العليا فى وضع ضوابط للتجريم والعقاب يتسم بأنه دور خلاق مبدع ، تجاوزت به المحكمة الإطار الضيق لنصوص الدستور، لتستلهم حكمة هذه النصوص ،وأرست قضاء رفيع المستوى عالجت به القصور التشريعى ووضعت سياجاً يحمى الحقوق والحريات فى كثير من أحكامها
وضع التشريع ليخاطب الناس جميعاً على إختلاف مداركهم وثقافتهم وأفهامهم، ولذلك كان من الواجب أن يتخير الشارع العبارة البسيطة السهلة الواضحة التى يفهمها كل الناس فلغة التشريع يجب أن تكون واضحة ويجب أن يكون للتشريع لغة فنية خاصة به و يكون كل لفظ فيها موزوناً ومحدد المعنى. وهو غير متوافر في قانون تجريم التظاهرات والإضرابات
وقد حرصت المحكمة الدستورية العليا المصريه على إبراز هذه القاعدة فى العديد من أحكامها
لم يحصل عمال مصر على الاعتراف القانوني بحق الإضراب عن العمل إلا عبر نضال مرير ومشرف قدموا فيه أرواحهم ودمائهم من أجل هذا الحق حتى صدقت مصر على اتفاقيات دولية تعترف بهذا الحق في عام 1982، ثم قام القضاء المصري على مدار تاريخه بدور عظيم في بعض القضايا عندما أصدر الأحكام والمبادىء القضائية التي تضمن إنفاذ هذا الحق وتمتع العمال به دون انتقاص، ثم جاء الإعتراف به داخل قانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003 والذي أتاح للعمال المصريين حق الإضراب عن العمل دفاعا عن مصالحهم المهنية والإقتصادية والإجتماعية، وأخيرا جاء قانون تجريم التظاهر والاضراب ليعود بحقوق العمال إلى الوراء لأكثر من ثلاثين عاما ويهدرها بمزاعم واهية، وذلك على التفصيل التالي:
كان حق الإضراب متاحاً استنادا إلى نص المادة 209 من قانون العمل رقم 91 لسنه 1959 والتي كانت تنص على “يحظر على العمال الإضراب أو الامتناع عن العمل كلياً أو جزئيا إذا ما قدم طلب التوفيق أو أثناء السير في إجراءاته أمام الجهة الإدارية أو لجنة التوفيق أو هيئة التحكيم” وهو ما يفيد أن الإضراب كان متاحا وفقا لقانون العمل إذا تم قبل طلب التوفيق أو قبل السير في إجراءاته، أما إذا كان بعد ذلك فإنه يكون محظوراً، لذلك كانت المادة 67 منه تشير إلى “إذا نسب إلى العامل إرتكاب جناية أو جنحة إضراب غير مشروع أو التحريض عليه ….” ومفهوم النص أن هناك إضراب مشروع.
-ثم صدر القرار الجمهوري بقانون رقم 2 لسنه 1977 والذي أصدره الرئيس أنور السادات في أعقاب الانتفاضة الشعبية التي حدثت في 18، 17 يناير من نفس العام والذي جرم أي صورة من صور الإضراب وأصبغ عليها وصف الجناية التي يعاقب عليها بالأشغال الشاقة ففي المادة السابعة نص على “يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة العاملون الذين يضربون عن عملهم متفقين في ذلك أو مبتغين تحقيق غرض مشترك إذا كان من شأن هذا الإضراب تهديد الاقتصاد القومي” ثم نصت المادة 9 من ذات القرار على “يلغى كل ما يخالف ذلك من أحكام” وهذا بالإضافة لنص المادة 124 من قانون العقوبات التي كانت تحظر الإضراب على الموظفين العموميين سواء كان يهدد الاقتصاد القومي أم لا.
-ثم صدر قانون العمل رقم 137 لسنه 1981 الذي تجاهل النص عن حق الإضراب سواء بالحظر أو الإباحة وهو ما آثار جدلا حول مقصد المشرع من ذلك فهل يقصد إطلاق الحق في الإضراب وعدم تقييده أم أنه يقصد عدم الاعتراف به وبالتالي تجاهل الإشارة إليه إلا أن المذكرة الإيضاحية للقانون أحدثت هي الأخرى جدلا جديدا حيث جاء بها (أنه رؤى عدم النص على هذا الحق إكتفاء بتركه لحكم القواعد العامة) وهو ما يفيد أن المشرع بهذا قد إتجهت إرادته إلى ترك الأمر للقواعد العامة التي يقصد بها القرار بقانون (أمن الوطن والمواطن) رقم 2 لسنه 1977 والذي علق التجريم على الإضرار بالاقتصاد القومي، إلا أن المذكرة الإيضاحية عادت وذكرت أن (مشروع القانون بصورته الراهنة قد إستحدث من المبادئ ما يضمن حقوق العمال دون اللجوء إلى سلاح الإضراب) وهو ما يفيد أن إرادة المشرع إتجهت إلى حظر الإضراب وهو ما عكس التخبط في تفسير إرادة المشرع نحو هذا الحق.
-في عام 1982 نشر في الجريدة الرسمية العدد 14 الصادرة في 8 أبريل قرار رئيس الجمهورية رقم 537 لسنه 1981 بشأن التصديق على العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وأورد أن التصديق على العهد تم بعد موافقة مجلس الشعب وكذلك أشار إلى المادة 151 من الدستور مما يفيد أنها قد صدرت بعد الحصول على موافقة مجلس الشعب بوصفها إحدى المعاهدات الدولية التي تتعلق بحقوق السيادة بما تضعه من قيود على سلطات الدولة في وجوب إحترام الحقوق التي أقرتها وإعترفت بها الإتفاقية الدولية والتي كان منها الإعتراف بحق الإضراب على أن يمارس طبقا لقانون القطر، الذي يجب عليه أن يراعى التنظيم الديمقراطي لهذه الحقوق.
-ثم جاء عام 1983 حيث صدر القرار بقانون رقم 94 لسنه 1983 والذي ألغى القرار بقانون رقم 2 لسنه 1977 بشأن حماية الوطن والمواطن والذي كان يحظر الإضراب إذا أضر بالاقتصاد القومي ليصبح الإضراب الوحيد المحظور هو الإضراب الذي يقوم به الموظف أو المستخدم العمومي، أما عمال القطاع الخاص الذين يطبق عليهم القانون 137 لسنه 1981 فلم يعد هناك نص يحظر عليهم الإضراب لأن المشرع تركه للقواعد العامة والتي كان يقصد بها القرار بقانون رقم 2 لسنه 1977 الذي تم إلغائه سنة 1983.
-ثم في عام 1987 أصدرت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ بالقاهرة حكمها رقم 4190 لسنه 1986 الأزبكية (121 كلى شمال) ببراءة المتهمين في إضراب عمال السكك الحديدية سنة 1986 وإستندت المحكمة في حكمها إلى أن الحظر الوارد على حق الإضراب بالنسبة لعمال الحكومة إستنادا لنص المادة 124 من قانون العقوبات أصبح غير موجود حيث أن تصديق مصر على العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والذي يبيح الإضراب قد نسخ نص المادة 124 من قانون العقوبات حيث أن موافقة مجلس الشعب على العهد وتصديق رئيس الجمهورية والنشر في الجريدة الرسمية في تاريخ لاحق على إصدار المادة 124 من قانون العقوبات وبالتالي فإنها تصبح منسوخة ولا وجود لها وبناء عليه صدر حكم البراءة في 16/4/1987 ليصبح الإضراب مباحاً بعد ذلك لعمال القطاع الخاص والعام والحكومي على السواء.
-كما تلي ذلك صدور حكم المحكمة التأديبية بطنطا الذي ذهب إلى براءة عمال مصنع سجاد الجمعية التعاونية للصناعات المنزلية من تهمة الإضراب ومستندا إلى ” ..أن الامتناع عن العمل
( الإضراب) قد أصبح منذ سريان الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي وقعت عليها جمهورية مصر العربية وذلك على النحو سالف البيان اعتبارا من 8/4/1982 حقا من الحقوق المكفولة للعاملين بالدولة(عاملين مدنيين وقطاع عام) ومن ثم فان هذا السلوك لا يعد خروجا من جانبهم على مقتضى الواجب الوظيفي وخاصة أنه لم يثبت من الأوراق أنه عند ممارستهم لهذا الحق لم يقع منهم ما يخالف المحافظة على ممتلكات وأموال الشركة التي يعملون بها ولا ينال من ذلك أن المشرع في جمهورية مصر العربية حتى الآن لم يصدر التشريعات المنظمة لممارسة حق الإضراب لأنه لا يسوغ أن يكون الموقف السلبي مبررا للعصف بهذا الحق والتحلل من أحد الإلتزامات الهامة التي قبل أن يكفلها من قبل المجتمع الدولي وخاصة أن هذا الحق يعد من أهم مظاهر ممارسة الديمقراطية وهو ما أكدته وإعتنقته معظم التشريعات في العالم….”
(الحكم 120 لسنة 17 ق تأديبية طنطا صدر في 10/3/1991)
-ثم صدر قانون العمل رقم 12 لسنه 2003 والذي نظم الإضراب بالنسبة للفئات الخاضعة لأحكام هذا القانون على النحو الوارد في المواد 192 حتى 194.
فى 2015 إحتفلت الدولة بعيد العمال في ذلك العام بطريقه مختلفه وبطريقه توضح النهج السياسى والاقتصادى المستقبلى للدولة، من محاصرة الحق فى الإضراب وتجريم ممارسته
إجتمع رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب مع قيادات عمالية وطالبهم بتشكيل لجان عمالية لمنع الإضراب وأقامت الدولة احتفالاتها الرسمية بمقر أكاديمية الشرطة بتاريخ 27/4/2015 ، وأعلن رئيس إتحاد العمال الحكومى في هذا الإحتفال عن “ميثاق شرف عمالي” تعهد فيه العمال برفض الحق في الإضراب. وفي صباح اليوم التالي صدر بيان من النيابة الإدارية إستعرضت فيه أجزاء من حيثيات حكم أصدرته المحكمة الإدارية العليا بحظر وتجريم الحق في الإضراب، وأقر عقوبة ” الإحالة للمعاش” كجزاء تأديبي للموظفين في حالة إضرابهم وهذا الحكم ذهب بعيدا عندما رأى أن أن التزام مصر بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي أباح الحق في الإضراب يوجد به قيد هو عدم المخالفه لأحكام الشريعة الإسلاميه وأن الإضراب عن العمل مخالف للشريعه الإسلاميه.
وأو ضح هذا الحكم عن إتجاه جديد لمجلس الدوله بإعتبار أن كل إمتناع عن العمل جريمة لكونه يضر بالغير وبالتجاهل التام لنصوص دستور 2012 المعدل بدستور 2014 الذى إعتبر كليهما أن الإضراب حق دستوري، وليس جريمة جنائية تستوجب جزاءا تأديبيا.
وشهد هذا الحكم الصادر من المحكمه الإداريه العليا جدلا قانونيا وإجتماعيا وسياسيا على مدار عدة أشهر حتي تراجعت المحكمه الإداريه وعدلت عن هذا الإتجاه الذى يجرم الإضراب بحكم جديد تلقته الحركه العماليه بترحيب شديد عندما ذهب إلى أن الإضراب حق للعاملين المدنيين بالدوله حتى ولولم ينظمه المشرع ريثما أصبح حقا دستوريا بدستور 2012 المعدل بدستور 2014
فى 26 يوليو 2015 قضت المحكمة الاداريه العليا برفض الطعن الذى حمل رقم 19485 لسنة 59 قضائية عليا، المقام من وزير العدل ورئيس محكمة استئناف الإسماعيلية، مختصماً أمينة محمد صالح، والذى يطالب بإلغاء حكم المحكمة التأديبية بالإسماعيلية، القاضى بإلغاء قرار رئيس محكمة استئناف الإسماعيلية بمجازاة المطعون ضدها بخصم 3 أيام من أجرها.
وقالت المحكمة، فى حيثيات حكمها، إنه بموجب دستور 2012 ثم دستور 2014 لم يعد الإضراب السلمى منحه، بل صار من الحقوق الدستورية، المكفولة لكل فئات العمال بغض النظر عن طبيعة الجهة التى يعملون بها سواء كانوا يعملون بالقطاع الحكومى أو العام أو الخاص، وقالت المحكمه أنه أضحى معترفًا به كحق مشروع من حيث المبدأ، ومنح المشرع واجب تنظيمه، وسواء نشط المشرع أو لم ينشط لتنظيم هذا الحق على النحو الذى يستحقه شعب عظيم قام بثورتين، فإن إستعمال العمال لهذا الحق جلباً لحقوقهم دون أضرار بالمرافق العامة، إنما هو إستعمال مشروع لحق ثابت دستورياً ولا يستوجب عقاباً، إذ أنه متى قرر الشارع حقاً إقتضى ذلك حتماً إباحة الوسيلة إلى إستعماله، إذ يصدم المنطق أن يقرر الشارع حقاً ثم يعاقب على الأفعال التى يستعمل بها فيكون معنى ذلك تجريد الحق من كل قيمة وعصفاً به كلية وتجريماً ومصادرة
كاملة للحق ذاته.
من المؤسف حقا أننا نرى عمال النقل العام يتم القبض عليهم وحبسهم عن طريق نيابة أمن الدوله وتلفيق العديد من التهم لهم لمجرد التفكير فى تنظيم إضراب_ بعد طرق العمال كل الابواب على مدار عدة أشهر_ للتعبير عن إحتجاجهم وسعيا منهم للوصول إلى ظروف عمل أفضل ثم مؤخرا يتم توجيه إنذارات بالفصل لهم وهم محبوسين
وفرضا أن الإضراب مخالفه كما تظنون فمن العبث أن يكون التفكير فيه جريمه أيضا
وفي سياق أخر يتم محاكمة عمال الترسانه البحريه أمام المحاكم العسكريه وإجبارهم على تقديم إستقالاتهم فى مقابل خروجهم من السجن حتى تكون الحريه مقابل الإستقاله الجبريه
أخيرا سيبقى الإضراب دوما حق حتى لو سقط من الدستور أو تغافل عنه المشرع أو تجاهله القاضى أو قيده الحاكم ، الإضراب للعمال جزء من بقائهم
علاء عبد التواب