مؤسسة تمكين للمحاماه والدعم القانوني
Tamkeen foundation for legal support

 

مؤسسة تمكين للمحاماه والدعم القانوني
Tamkeen Foundation for Legal Support

الرئيسيةأوراق بحثيةالمجالس العرفية في ميزان القانون

المجالس العرفية في ميزان القانون

مقدمة:

منذ تقرير الدكتور جمال العطيفي[1]في أحداث الخانكة[2]1972، وحتى اليوم ما زالت أسباب العنف الطائفي قائمة ودون تدخل يذكر من الدوله ، باستثناء إصدار القانون رقم 80 لسنة 2016 بشأن تنظيم بناء وترميم الكنائس[3].

وفي معظم الاحيان فإن أحداث  العنف قد تكون مرتبطه ببناء الكنائس وما يصاحبها من تعقيدات وإجراءات بيروقراطية وفي عمليات التبشير وما إذا كان يجب توجيهه إلى خارج الوطن وليس إلى داخله، فضلا عن بعض الكتب ذات الصبغة الدينية من هنا ومن هناك، أضف إلى ذلك انتقال أحد من دين إلى دين أخر وما يصاحبه من توتر قد يؤدي في بعض الأحيان إلى عنف.

الأمر الذي يطرح سؤالا هاما وجوهريا: ما دور الدولة في هذا العنف وما هي الإجراءات التي اتخذتها لوقف العنف القائم على أساس الدين؟.

يرجع كثير من الباحثين التوتر الطائفي والعنف إلى بداية عصر الرئيس السادات إذ أنه في سياق ما أسماه ثورة التصحيح كان قد أجرى مصالحات مع التيارات الإسلامية لاجهاض الحركات اليسارية والناصرية وحصارها مما أدى إلى سيطرة تلك الجماعات على الشارع المصري واغتيال الرئيس السادات نفسه، فضلا عن ازدياد نزعة الأعمال الإرهابية ضد المصريين المسيحيين والأجانب على حد سواء، يمكن هنا استدعاء أحداث الخانكة 1972، وأحداث الزاوية الحمراء 1981، بالإضافة إلى استهداف الكنائس ودور العبادة.

كما لا يمكن إغفال العلاقة المتوترة بين الرئيس السادات والبابا شنودة الثالث في هذا الصدد.ولم يختلف الأمر كثيرا في عهد الرئيس مبارك حيث ظل الأمر على حاله من تمكن التيارات الإسلامية الجهادية في عمليات التغيير- من وجهة نظرها- باستخدام القوة والعنف والتفجيرات الإرهابية، فضلا عن بقاء مسألة بناء الكنائس رهينة الخط الهمايوني والشروط العشرة، وضعف التمثيل النيابي للأقباط في مجلس الشعب

ربما لم تكن مثل تلك الحوادث موجودة في ظل حكم الرئيس عبد الناصر لأسباب حاصلها العلاقة الودية التي سادت  بينه وبين البابا كيرلس السادس ومنها أن أمر بناء الكنائس كان من اختصاص رئيس الجمهورية والذي منح البابا كيرلس الحق في بناء خمس وعشرون كنيسة سنويا، وتغير الوضع بعض ذلك في عهدي السادات ومبارك بتسليم ملف بناء الكنائس لأجهزة الأمن مع ما تزامن من ازدياد نفوذ الجماعات الإسلامية، وانتشار أفكارها المتطرفة، فضلا عن خشية الحكومات التي تعاقبت من التعامل مع هذا الملف بشكل قانوني لعدم استفزاز الجهاديين ومشاعر العامة بحسب بعض التحليلات السياسية للموضوع.

أمّا مسألة العرف فهي قديمة قدم التاريخ ذاته، بل إن العرف وهو القاعدة المستقرة بين الناس لفترات طويلة هو المصدر الأول للقانون في الدول والحضارات القديمة، أي أنه المصدر الذي استقت منه التشريعات المدونة أحكامها أو بنودها إبان نشأة الدول المركزية القوية في العصور القديمة، وهو الآن يعد أحد مصادر القانون جنبا إلى جنب مع المصادر الأخرى كالاجتهادات الفقهية والسوابق القضائية والشريعة الإسلامية كما نص على ذلك دستور مصر الحالي والسابق، وكما أقرت ذلك مدونة القانون المدني المصري الصادر عام1948[4].

ومن العرف تجيئ المجالس العرفية أي غير الرسمية أو الشعبية كإحدى آليات الفصل في النزاعات التي تحدث بين الناس وخاصة في المناطق التي تحكمها القبلية أو التي يسكنها البدو  وبالجملة توجد في مصر بشكل ملحوظ في محافظات  سيناء ومطروح ومنطقة الواحات، وتظهر جلية في النزاعات الثأرية في صعيد مصر.

وشجعت الدولة المجالس العرفية في قضايا معينة، في الثمانينات مثلما كان يفعل اللواء محمد عبد الحليم موسى إبان عمله محافظا لأسيوط، حيث كان يحضر بعض الجلسات أو تتم تحت إشرافه[5].

وقد حاول اللواء عبد الحليم موسى الاستعانة ببعض الشخصيات الدينيه مثل الشيخ الشعراوي وغيره لمحاورة شباب الجماعات الإسلامية الذين انتهجوا العنف كوسيلة من وسائل التغيير، إلا أن ذلك أدى إلى إقالته من منصبه.

وتطورت المجالس العرفية لتشمل فيما بعد وتحت رعاية أجهزة الأمن الفصل في التوترات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين بديلا عن الأجهزة الرسمية صاحبة الولاية في مثل هذه الأمور، وقد رأى البعض أن المجالس العرفية أفضل من القضاء في تناول المشكلات والتوترات والفتن بين الطائفتين لسرعتها وقدرتها على تهدئة الأجواء وعدم تصاعدها وغير ذلك مما ساقوه من أسباب. بينما البعض الآخر رأي في هذه المجالس والتي لا تطبق القانون المكتوب ولا تفصل فيها محكمة مختصة ، اعتداء على دولة القانون ومخالفة صريحة وواضحة لنصوص الدستور فيما يخص المساواة أمام القانون، وأن هذه المجالس تمثل ضغطا مباشرا على الفئة الأضعف وتصدر أحكاما تبدو جائرة في أحيان كثيرة مثل التهجير الذي حدث في بعض الحالات، كما أنها تمثلتمييزا واضحا على أساس الدين[6].

وقد حاولت الدولة التغلب على بطء إجراءات التقاضي، وتخفيف عبء القضايا المكدسة أمام القضاء عبر عدد من القوانين مثل قانون لجان فض المنازعات ومثل قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية، ومثل لجان التسوية في دعاوى الأحوال الشخصية.

ونرى في المجمل العام أنه لا بأس في دور للمجالس العرفية في مجال العنف الطائفي شريطة أن يقتصر هذا الدور على تهدئة الأوضاع وإزالة أسباب الاحتقان والعمل على منع تجدد الاشتباكات –إن حدثت- ولا يجاوز ذلك في حال وقوع جرائم كالقتل والحرق والإتلاف والتهجير والتخريب والضرب والجرح وغير ذلك من الجرائم الجنائية، هنا لا مجال للحدث عن ثمة دور للمجالس العرفية وإنما يكون الدور كله للقضاء الرسمي وأحكام المحاكم على اختلاف درجاتها تحت مظلة القانون ووفق بنوده وأحكامه.

وفي هذه الورقة إلقاء الضوء على المجالس العرفية فيما يخص العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في ضوء الدستور المصري وهل هي تتسق وأحكامه أم تخالفها، ودور الدولة في ذلك وأثرها على مبدأ المواطنة ومبدأ المساواة أمام القانون.

أولا أسانيد الداعمين للمجالس العرفية:

1/ يعتبر بعض مؤيدي المجالس العرفية وأهميتها في مجال تسوية النزاعات الطائفية بأنها صارت عرفا مع ما للعرف من قوة وأهمية باعتباره مصدرا من مصادر القانون بنص المادة الأولى من القانون المدني:

“تسريالنصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص. فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه، حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية فإذا لم توجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة”.

وعلى ما يبين من هذه المادة أنها حددت مصادر القاعدة القانونية في: القاعدة التشريعية المكتوبة، ثم العرف، ثم مبادئ الشريعة الإسلامية فمبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.

وفي حال عدم وجود قاعدة قانونية ولجوء القاضي إلى القضاء استنادا إلى العرف إن وجد فعليه أن يتحقق من وجود عرف ما في المسألة المعروضة عليه[7].

كما قضت محكمة النقض كذلك بأنه:

” النص فى المادة الأولى من القانون المدني على أن – تسرى النصوص التشريعية على جميع المسائل التى تتناولها هذه النصوص فى لفظها أو فى فحواها فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضى بمقتضى العرف – مفاده انه ـ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ لا يجوز التحدي بالعرف إلا إذا لم يوجد نص تشريعي”[8].

أي أن الأولوية للقاعدة القانونية المكتوبة أولا، ويندر في عصرنا الحالي ألا توجد قاعدة مكتوبة لتنظيم أحد الأمور أو الظواهر الاجتماعية.

ويعرف فقهاء القانون العرف بأنه:

“هو اعتياد الناس على سلوك معين في مسألة من المسائل مع اعتقادهم بلزوم هذا السلوك وبأن مخالفته تستتبع توقيع جزاء مادي”، وقد يقصد به أيضا ذات القواعد القانونية الناشئة عن هذا الاعتياد على سلوك معين”[9].

وبمقتضى هذا التعريف يتبين لنا وجود ركنين جوهريين للعرف هما:

أ/ ركن معنوي يتمثل في الاعتياد على فعل سلوك معين، ويشترط في ذلك شروط منها:

  • أن يكون الاعتياد عاما مجردا أي أن يشمل إقليم بكامله أو طائفة بكاملها.
  • أن يكون قديما أي درج الناس على اعتياده زمنا طويلا حتى يستقر في وجدان العامة.
  • أن يكون مطردا متكررا مستمرا أي اتباع السلوك بشكل منتظم ومتواتر.
  • ألا يكون مخالفا للنظام العام[10].

ب/ ركن معنوي يتمثل في العقيدة المستقرة بإلزام العرف أي الاعتقاد بأن السلوك المتبع قد أصبح ملزما وواجب الإتباع وأن من يخالفه ينبغي أن يتعرض لجزاء مادي يوقع عليه[11].

والعرف بهذا الشكل وهذه القواعد يجد طريقه في بعض القوانين مثل القوانين التجارية بحسبان القواعد الخاصة بالمعاملات اليومية التجارية سريعة ومتلاحقة وقد تخلو نصوص القوانين المنظمة لها من بعض الأحكام التي تنظم كل مسائلها، وكذلك في القانون المدني، وأحيانا في القانون الإداري، حيث قضت المحكمة الإدارية العليا في أحد أحكامها أنه:

” يشترط لاعتبار العرف ملزما للإدارة أن يتوافر شرطان: أولا أن يكون العرف عاما. وأن تطبقه الإدارة بصفة دائمة بصورة منتظمة. فإذا أغفل هذا الشرط فلا يرتفع العمل الذي جرت على مقتضاه الإدارة إلى مستوى العرف الملزم لها.

ثانيا: ألا يكون العرف قد نشأ بالمخالفة لنص قائم . وقد نص الشارع على العرف كمصدر رسمي للقانون. غير أنه من حيث تدرج القواعد القانونية يأتي في المرتبة الثانية بعد التشريع، ومن ثم لا يجوز للعرف أن يخالف نصا قائما. ويندرج تحت ذلك أن العرف الناشئ من فهم خطأ للقانون لا يمكن التعويل عليه”[12].

ومن جماع ما تقدم نستطيع القول أن ما حدث ويحدث في العنف الطائفي هي جرائم جنائية لها نصوص وأحكام في المدونات العقابية المصرية تخضع لنصوص القانون ولا يمكن إخضاعها لأحكام العرف أو المجالس العرفية مع وجود نص قانوني ملزم واجب التطبيق على من اقترف مثل هذه الأفعال، كحرق دور العبادة أو القتل أو الإصابة والضرب والجرح والإتلاف وعير ذلك مما يحدث.

2/ رأى البابا شنودة الثالث أن المجالس العرفية هي الأنسب للفصل في النزاعات الطائفية بين مسلمي مصر ومسيحييها وتسويتها، وضرب مثلا للتدليل على فكرته بالتطرق إلى  أزمة دير

أبو فانا بمحافظة المنيا بصعيد مصر بين المسلمين والمسيحيين، وانتهائها بواسطة المجالس العرفية[13].

يستند البعض إلى الرأي السابق ذكره للبابا شنودة في تأييده للمجالس العرفية كوسيلة ناجعة لتسوية وفض النزاعات الطائفية، على أن غالب الظن أن التصريح جاء محددا بواقعة معينة وفق ظروفها وملابساتها حيث أن النزاع كان بين رهبان دير أبو فانا وبين البدو ساكني صحراء المنيا المتاخمة للدير، مع ما للمجالس العرفية من أهمية بالغة لدى هؤلاء وعدم اعترافهم إلا بها في تسوية منازعتهم، فضلا عن أن من سقط قتيلا هنا هو أحد الأعراب ومن ثم تكون تسوية النزاع وفق ما يرون، وفي الأغلب جاء تصريح البابا في هذا السياق.

ومن ناحية ثانية فإن رأي البابا أو غيره لا يمكن له أن يخالف قانونا أو يدشن قانونا، في دولة عمادها وفق الدستور سيادة القانون. وربما أيضا يمكن فهم التصريح السابق من الناحية السياسية أو الموائمات السياسية التي كان يجريها البابا السابق.

3/ ذهب البعض[14]أن المجالس العرفية تجد سندها القانوني في المادة 64 من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 13 لسنة 1968[15]. حيث تنص الفقرة الأولى من المادة سالفة الذكر بأنه:

“يكون حضور الخصوم فى الدعاوى الجزئية التى ترفع ابتداء فى اليوم والساعة المحددين بصحيفة افتتاح الدعوى أمام مجلس صلح يتولى التوفيق بين الخصوم وذلك فيما عدا الدعاوى التى لا يجوز فيها الصلح والدعاوى المستعجلة ومنازعات التنفيذ والطلبات الخاصة بأوامر الادعاء”[16].

والحق أن هذه المادة لا تصلح سندا للمجالس العرفية لعدة أسباب منها:

أ/ أن المادة وردت في سياق قانون المرافعات المدنية والتجارية ومن ثم لا يمكن تعميمها على بقية فروع القانون وخاصة القانون الجنائي والذي يقتصر الصلح فيه على بعض الجرائم المحددة على سبيل الحصر في القوانين الجزائية.

ب/ أن مجالس الصلح منصوص عليها وفق هذه المادة أمام المحاكم الجزئية وفي الدعاوى الجزئية دون غيرها وهو ما يعني وفق حكم المادة42 من ذات القانون والتي تنص على أنه:

“تختص محكمة المواد الجزئية بالحكم ابتدائيا في الدعاوى المدنية والتجارية التي لا تجاوز قيمتها أربعين ألف جنيه ويكون حكمها انتهائيا إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز خمسة آلاف جنيه وذلك مع عدم الإخلال بما للمحكمة الابتدائية من اختصاص شامل  الإفلاس والصلح الواقي وغير ذلك مما نص عليه القانون”.

أن اللجوء لمجالس الصلح في المحاكم المدنية والتجارية لا يجوز في الدعاوى التي تتعلق بمبالغ أكبر من 40 ألف جنيه.

ج/ كما أن هذه المحاكم تختص بالنظر في الدعاوى التالية مهما بلغت قيمتها: الدعاوى المتعلقة بالانتفاع بالمياه وتطهير الترع والمساقي والمصارف، دعاوى تعيين الحدود وتقدير المسافات فيما يتعلق بالمباني والأراضي والمنشآت الضارة إذا لم تكن الملكية أو الحق محل نزاع، دعاوى قسمة المال الشائع، الدعاوى المتعلقة بالأجور والمرتبات وتحديدها، دعاوى صحة التوقيع أيا كانت قيمتها، دعاوى تسليم العقارات[17].

وكما نرى ليس من بين هذه الدعاوى ما يخص النزاعات الطائفية أو بعض الجرائم التي تلحق بها، ومن ثم لا تصلح مجالس الصلح المنصوص عليها في المادة 64 من أن تنهض سندا شرعيا لعمل المجالس العرفية في مجال تسوية الأنزعة ذات الصبغة  الطائفية.

ثانيا قوانين تجيز التصالح وترسم له طريقا قانونيا:

4/ حاول المشرع المصري التغلب على بطء إجراءات التقاضي وتكدس المحاكم بالقضايا مما يؤدي إلى بطء الفصل فيها عبر عدد من الإجراءات والتشريعات نذكر منها: القانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن إنشاء لجان التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفا فيها، وتعديل بعض أحكامه بالقانون رقم 6 لسنة 2017. والقانون رقم 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية. والقانون رقم 10 لسنة 2004 بشأن إنشاء محاكم الأسرة فيما تضمنه من وجوب اللجوء إلى التسوية في المنازعات الأسرية قبل اللجوء للمحكمة، وغيرها.

ومثل هذه القوانين قد يلمح البعض فيها أنها تقترب إلى حد كبير من المجالس العرفية في تسوية وحل النزاعات بعيد عن القضاء الرسمي.

غير أنها وجهة نظر قاصرة وغير متكاملة، فلكل منها ظروف إصداره وأسبابها، وتفارق المجالس العرفية في كونها قوانين صادرة عن السلطة التشريعية وخاضعة للرقابة على دستورية القوانين وتصد توصياتها في ضوء الأحكام التشريعية المنظمة لها، ولا تنفذ توصياتها إلا برضاء طرفيها ويمكن في بعضها اللجوء إلى التقاضي باعتباره حقا مكفولا ومصونا للطرف الذي لم يرتضى الحكم.

5/ فقانون لجان التوفيق وفض المنازعات القصد منه هو تخفيف العبء القضائي علي المتقاضين و المحاكم على حد سواء، جراء المنازعات الكثيرة بين الأفراد والجهات الإدارية المختلفة، مع ملاحظة أن ما يصدر عن هذه اللجان مجرد توصية غير ملزمة لأطرافها إلا بموافقتهم ويمكن للطرف الذي لم يرتضي هذه التوصية اللجوء إلى التقاضي أمام المحكمة كي تفصل في النزاع بينه وبين الطرف الآخر، أي أنها توصيات لا تلزم أطرافها دون رضائهم ولا تحول دون الولوج إلى القضاء وهذا بخلاف المجالس العرفيه .

بل إن محكمة النقض في حكم حديث لها أجازت أن يقوم رافع الدعوى القانونية بعد رفعها وحتى الحكم فيها بتقديم طلب للجان التوفيق وفض المنازعات، أي أنه لا يشترط تقديم الطلب إلى مثل هذه اللجان قبل الولوج إلى ساحة القضاء[18].

وفي السياق ذاته قضت الإدارية العليا بأنه:

“إذا تم تقديم طلب التوفيق بعد رفع الدعوى فإن الإجراء المطلوب قانوناً يكون قد استوفى وتحققت الغاية منه، ولا محل للدفع بعدم قبول الدعوى”[19].

وهذا اتجاه محمود من المحاكم العليا لضمان عدم المماطلة في لجوء أصحاب الحق إلى القضاء لاستيفاء ما يرونه من حقوق لهم.

واعتبرها البعض تمثل إخلالا بحق التقاضي وإهدارا له وإن كانت المحكمة الدستورية العليا قد رأت أن ذلك غير صحيح بقولها:

“أداء اللجان المنصوص عليها في المادة الحادية عشرة من القانون رقم 7 لسنة 2000، لا ينال من حق التقاضي سواء في محتواه أو في مقاصده. ذلك أن نشاطها يمثل مرحلة أولية لفض النزاع حول حقوق يدعيها ذوو الشأن، فإن استنفدتها، وكان قرارها في شأن هذه الحقوق لا يرضيهم، ظل طريقهم إلى الخصومة القضائية متاحا ليفصل قضاتها في الحقوق المدعى بها، سواء بإثباتها أو بنفيها. ومردود ثانيا : بأن ضمانة سرعة الفصل في القضايا المنصوص عليها في الدستور، غايتها أن يتم الفصل في الخصومة القضائية بعد عرضها على قضاتها خلال فترة زمنية لا تجاوز باستطالتها كل حد معقول، ولا يكون قصرها متناهيا، وإذ كان نص المادة الحادية عشرة المطعون عليه قد اشترط تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المقرر لعرضها دون قبول قبل الالتجاء إلى القضاء في هذه المنازعات، وكان هذا الميعاد معقولا، وكانت سرعة الفصل في القضايا شرط في الخصومة القضائية لا يثور إلا عند استعمال الحق في الدعوى، ولا يمتد إلى المراحل السابقة عليها كلما كان تنظيمها متوخيا تسوية الحقوق المتنازع عليها قبل طلبها قضاء، فإن النعي بمخالفة النص الطعين لنص المادة (68) من الدستور يكون شططا”[20].

6/ أما قانون التحكيم رقم 27 لسنة 2004 فقد صدر لإفساح الطريق أمام تطبيق قواعد العرف في المواد التجارية، بحسبان التعامل التجاري اليومي يخضع في كثير من أموره لقواعد العرف، غير أن المشرع أراد أن ينظم ذلك في شكل تشريعي واجب، وبالجملة فمسألة التحكيم اتفاقية وفق إرادة حرة، أيا كانت جهة التحكيم سواء أكانت منظمة أو مركزا دائما للتحكيم أو لم يكن ذلك[21].

فعلى الرغم من كون التحكيم تشريعا صادرا من السلطة المختصة بإصداره، جاهدة إن تحيطه بكل الضمانات التي تكفل للمحتكمين إليه حقوقهم وترسم لهم الطرق الواجب إتباعها حال ولوجهم إليه، إلا أنه-أي التحكيم- يفتقر إلى الضمانات التي تكفلها طرق التقاضي العادية، وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض في حكم قديم لها إذا تقول:

” التحكيم طريق استثنائي لفض الخصومات، قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية وما تكفله من ضمانات”[22].

وبمقارنة سريعة نستطيع القول أن المجالس العرفية وهي ليست منظمة تشريعيا تفتقد كل معايير وضمانات التقاضي.

فضلا عن أنه يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا وإلا كان باطلا[23]، فالكتابة شرط لإثبات قبول المحكمة مهمة التحكيم.

لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح، وغني عن البيان أن الجرائم التي تدخل في نطاق قانون العقوبات تخرج عن كل تحكيم بحسبان أنه لا دور للعرف في القانون الجنائي سواء أكان عرفا مفسرا أو عرفا مكملا أو معاونا.

بل إن قانون التحكيم قد نص في المادة 46 منه إلى أنه:

” إذا عرضت خلال إجراءات التحكيم مسألة تخرج عن ولاية هيئة التحكيم وطعن بالتزوير في ورقة قدمت لها واتخذت إجراءات جنائية عن تزويرها أو عن فعل جنائي أخر جاز لهيئة التحكيم الاستمرار في نظر موضوع النزاع إذا رأت أن الفصل فى هذه المسألة أو في تزوير الورقة أو في الفعل الجنائي الآخر ليس لازما للفصل في موضوع النزاع، وإلا أوقفت الإجراءات حتى يصدر حكم نهائي فى هذا الشأن، ويترتب على ذلك وقف سريان الميعاد المحدد لإصدار حكم التحكيم”.

وهذا يعني أن الأفعال الجنائية بكافة صورها (فعل جنائي آخر) تخرج عن ولاية التحكيم.

فلا يجوز “التذرع بالطبيعة الخاصة لنظام التحكيم وما يهدف إليه من تيسير الإجراءات وتحقيق السرعة فى حسم النزاعات ؛ ذلك أنه فضلاً عن أن هذا الاعتبار لا يجوز أن يهدر المبادئ الدستورية السالف الإشارة إليها، فإن الأمر بالتنفيذ الذي يصدره القاضي المختص وفقاً لأحكام قانون التحكيم لا يعد مجرد إجراء مادي بحت يتمثل فى وضع الصيغة التنفيذية على حكم المحكمين، وإنما يتم بعد بحث الاختصاص ثم التأكد من عدم تعارض هذه الحكم مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية فى موضوع النزاع ، وأنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام فى جمهورية مصر العربية ، وأنه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً صحيحاً”[24].

7/ دأبت المحكمة الدستورية العليا على تتبع كافة القوانين المعنية بالتحكيم وتنقيتها مما يكون بها من مواد تعيق حق التقاضي أو تنتقص من ضماناته المكفولة للمتقاضين أمام القضاء العادي، ومن ذلك حكمها القاضي بعدم دستورية المادة 66 من القانون رقم 97 لسنة 1983 بشأن هيئات القطاع العام وشركاته، فيما نصت عليه من عدم قابلية أحكام التحكيم للطعن فيها بأي وجه من وجوه الطعن. وقرر ما يلي في قضائه:

“وحيث إن حاصل ما تقدم أن المشرع، وإن قرر قاعدة عامة في شأن أحكام المحكمين التي تصدر في منازعات التحكيم التي تبنى على اتفاق الخصوم، هي حظر الطعن عليها بطرق الطعن العادية وغير العادية، بتقدير أن اللجوء لهذا النوع من التحكيم إنما ينبني في نشأته وإجراءاته وما يتولد عنه من قضاء، على إرادة الاختيار لدى أطرافه التي تتراضى بحريتها على اللجوء إليه كوسيلة لفض منازعاتهم، بدلاً من اللجوء إلى القضاء، إلا أنه في توازن مع تقريره حجية لهذه الأحكام وجعلها واجبة النفاذ، عمد إلى مواجهة حالة أن يعتور عمل المحكمين عوار يصيب أحكامهم في مقوماتها الأساسية بما يدفع بها إلى دائرة البطلان بمدارجه المختلفة، فكانت دعوى البطلان هي أداته في تحقيق التوازن، الذي به تتوافر ضمانة من الضمانات الأساسية للتقاضي، وهو بهذا قد بلغ نتيجة قوامها أنه إذا كانت القاعدة العامة هي جواز الطعن على أي حكم يصدر من المحاكم بمختلف درجاتها وأنواعها، بدعوى البطلان، فضلاً عن جواز الطعن عليها بطرق الطعن الأخرى، فإن أحكام المحكمين التي تصدر طبقاً لأحكام قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية وإن لم تكن قابلة للطعن عليها بطرق الطعن العادية وغير العادية إلا أنها تشارك أحكام المحاكم الأخرى في جواز الطعن عليها بدعوى البطلان التي نظمها القانون الأخير”[25].

8/ ولا يمكن التذرع بإدخال عنصر قضائي إلى هيئة أو لجنة أو غيره لإسباغ صفة العمل أو القرار القضائي على ما يصدر منها، واستنادا إلى هذا المبدأ قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المادتين 71 و72 من قانون العمل الصادر تحت رقم 12 لسنة 2003، مدللة على ما ذهبت إليه من أنه:

“وحيث إن النصين المطعون عليهما يخالفان أحكام الدستور من أوجه عدة:

أولها: أن اللجنة التى أنشأها المشرع وعهد إليها ولاية الفصل فى المنازعات الفردية التى قد تنشأ بين العامل ورب العمل هي لجنة يغلب على تشكيلها العنصر الإداري فهي تتكون من قاضيين وثلاثة أعضاء أحدهما مدير مديرية القوى العاملة المختص أو من ينيبه، والثاني ممثل عن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، والثالث ممثل عن منظمة أصحاب الأعمال المعنية، وأعضاء اللجنة من غير القضاة لا يتوافر فى شأنهم- فى الأغلب الأعم- شرط التأهيل القانوني الذي يمكنهم من تحقيق دفاع الخصوم وتقدير أدلتهم، وبفرض توافر هذا الشرط فى أحدهم أو فيهم جميعًا، فإنهم يفتقدون لضمانتي الحيدة والاستقلال اللازم توافرهما فى القاضى، فضلاً عن أن مدير مديرية القوى العاملة المختص بحسبانه رئيس الجهة الإدارية التى تتولى تسوية النزاع وديًا قبل عرضه على تلك اللجنة، يكن قد اتصل بالنزاع وأبدى فيه رأيًا ومن ثم فلا يجوز له أن يجلس فى مجلس القضاء بعد ذلك للفصل فى النزاع ذاته.

وثانيها: أن القرارات التى تصدر من هذه اللجان لا يمكن وصفها بالأحكام القضائية- حتى وإن أسبغ عليها المشرع هذا الوصف- ذلك أن الأحكام القضائية لا تصدر إلا من المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي، وهذه اللجنة- وكما سبق القول- هي لجنة إدارية، ومن ثم فإن ما يصدر عنها لا يعدو أن يكون قرارًا إداريًا، وليست له من صفة الأحكام القضائية شيء، ولا ينال من ذلك ما نصت عليه المادة (71) المطعون عليها من اشتراط وجود قاضيين كي يكون انعقاد اللجنة صحيحا، ذلك أنه بافتراض وجود هذين القاضيين وحضور الأعضاء الثلاثة الباقيين يمكن أن يصدر القرار بالأغلبية، والأغلبية، فى هذه الحالة للعنصر الإداري، ومن ثم فلا يمكن أن يوصف القرار الصادر منها بأنه حكم أو قرار قضائي”[26].

ثالثا: العرف في القانون الجنائي:

9/ سقط العديد من الضحايا جراء مسلسل الأحداث الطائفية التي شهدتها مصر طوال عهد الرئيس الأسبق مبارك وما تلاه، ففي عهد مبارك  سقط 183قتيلا، وتم الاعتداء على 103 كنيسة، من واقع 324 حادثة طائفية. وفي الفترة الانتقالية الأولى كانت حصيلة الحوادث الطائفية 59قتيلا، الاعتداء على 24 كنيسة ، وفي عهد محمد مرسي : 11قتيلا، والاعتداء على 7 كنائس، وبعد 30 يونيو كانت الحصيلة حتى نهاية 2013 هي: 18قتيلا، الاعتداء على 93 كنيسة[27].

هذا فضلا عن عدد كبير من الجرحي وتلفيات في الممتلكات ، ولا يعنينا في هذا الصدد حصر ما حدث وإنما نوعية ما يحدث في التوترات ذات الصبغة الطائفية وما ينتج عنها من جرائم تندرج تحت طائلة قانون العقوبات.

والقول بإمكانية خضوع مثل هذه الأحداث للتسوية في ضوء العرف والمجالس العرفية أمر لا يستقيم مع المنطق القانوني السليم، إذ أنه يصطدم بقوة بمبدأ المشروعية ومبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، بل ينسفهما نسفا. فما الذي يجبر الطرفين المتصادمين على اللجوء لوسيلة تناقض مبدأ المشروعية ومبدأ شرعية الجرائم والعقوبات مع ما تنطوي عليه من غبن قد يطال أحدهما، ويفتقد القائمين عليها أو المتصدرين لها للحيدة والاستقلال المفترضين في عضو القضاء؟.

في الواقع يذهب البعض إلى أن “النظام والكنيسة سويا تباريا في تقويض دعائم دولة القانون عند التعاطي مع أي احتقان طائفي، فمن جانبه لم يتورع نظام الحكم عن اعتماد طرق وآليات معروفة إعلاميا باسم جلسات الصلح، التي تمكن الجناة من الهروب من المحاسبة، وما هو إلا إعطاء وقود لفتنة جديدة قادمة”

وبدورها” لم تفوت الكنيسة فرصة لإقصاء القانون طالما أفسح ذلك المجال أمامها لانتزاع مكاسب حيوية، ومن ثم لم تقبل بمبدأ المعاملة بالمثل لدور العبادة، حيث رفضت تضمين مشروع قانون دور العبادة الموحد بندًا ينص على إخضاع أموال الكنائس للرقابة المالية من قبل الأجهزة الرقابية في الدولة”.

10/ على أننا في هذه الورقة لا يعنينا كثيرا الآراء السياسية أو الموائمات المتعلقة بها ما دام الأمر يتعلق بالقانون، فالقانون وحده صاحب الكلمة الأولي في هذا الصدد، إذا ما وقعت أحداث مؤثمة وفق نصوصه وأحكامه، وتبقى المسألة السياسية في حدودها التفاوضية بعيد عن منطقة القانون، فالقول بغير ذلك يهدم مبدأ سيادة القانون ويعيد الدولة برمتها إلى الخلف.

فنرى الدستور ينص في المادة 95 منه على أنه:

(العقوبة شخصية, ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون, ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي, ولا عقاب إلا علي الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون).

هذه المادة قررت مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ومنعت أي دور للعرف ومن ثم للمجالس العرفية فيما يخص القانون الجنائي، فمناط التجريم والعقاب هو نص القانون وحده ولا شيء سواه.

وقد أكدت الإدارية العليا في أحد أحكامها أن هذه القاعدة تنطبق على القانون الجنائي بشكل رئيسي: ” فيما يتعلق بقاعدة أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ـ تسرى هذه القاعدة على الجرائم الجنائيةأما بالنسبة للجرائم التأديبية فإن المستقر عليه أن أي إخلال بواجبات الوظيفة يعد جريمة تأديبية حتى لو لم يرد بها نص صريح خاص بذلك”[30].

فمصدر التأثيم أو الصفة غير المشروعة لأي فعل هو نص القانون، والعقاب المترتب على الفعل أو الصفة غير المشروعة هو نص القانون أيضا والذي يحدد أركان وشروط كل فعل مؤثم وحدوده والعقوبة الواجب تطبيقها حال إقتراف هذا الفعل.

وتكمن أهمية المبدأ المشار إليه عاليه في كونه يمثل:

  • ضمانة هامة لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم من أي جور أو عسف من أية سلطة كانت، فالجرائم محددة وفق القانون وكذا العقوبات المترتبة عليها.
  • رادعا عاما لكل مخاطب بأحكامها الأمر الذي يعني تطبيق العقوبة الواردة قرين كل فعل مؤثم على من يرتكبها، مما يسهم في زيادة الأمن المجتمعي والوقاية من وقوع الجرائم.
  • يمنح العقوبة أساس لقبولها مجتمعيا كونها أداة قانونية محددة بوظيفة خاصة المحافظة على النظام المجتمعي والنظام العام وليست وسيلة انتقامية من قبل السلطة تجاه الأفراد.

11/ وفي العديد من أحكامها أرست المحكمة الدستورية العليا حدود مبدأ شرعية التجريم والعقاب وأكدت على أهميته:

  • ومن حيث إن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، غدا أصلا ثابتا كضمان ضد التحكم، فلا يؤثم القاضي أفعالا ينتقيها، ولا يقرر عقوباتها وفق اختياره، إشباعا لنزوة أو انفلاتا عن الحق والعدل وصار التأثيم بالتالي – وبعد زاول السلطة المنفردة – عائدا إلى المشرع، إذ يقرر للجرائم التي يحدثها، عقوباتها التي تناسبها، فلا يكون سريان النصوص القانونية التي تنظمها رجعيا، بل مباشرا لتحكم الأفعال التي تقع بعد العمل بالقانون التي يجرمهاويفسر هذا المبدأ بأن القيم الجوهرية التي يصدر القانون الجنائي لحمايتها، لا يمكن بلورتها إلا من خلال السلطة التشريعية التي انتخبها المواطنون لتمثيلهم، وأن تعبيرها عن إرادتهم يقتضيها أن تكون بيدها سلطة التقرير في شأن تحديد الأفعال التي يجوز تأثيمها وعقوباتها، لضمان مشروعيتها ومن ثم كان إعمال هذا المبدأ لازما لتمكين المواطنين من الاتصال بتلك القيم التي يقوم عليها بنيان مجتمعهم، بما يوحد بينهم ويكفل تماسكهم اجتماعيا، فلا يزدرونها، وإلا كان إيقاع الجزاء الجنائي عليهم لازما لردعهم[31].
  • إن استقرار مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات في مفاهيم الدولة المتحضرة ، دعا على توكيده بينها ومن ثم وجد صداه في عديد من المواثيق الدولية ، من بينها الفقرة الأخيرة من المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والفقرة الأولى من المادة 15 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، والمادة 7 من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان . وتردد هذا المبدأ كذلك في دساتير عديدة يندرج تحتها ما تنص عليه المادة 66 من دستور جمهورية مصر العربية من أنه لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لنفاذ القانون الذي ينص عليها ، وما تقرره كذلك المادة 187 من هذا الدستور التي تقضي بأن الأصل في أحكام القوانين هو سريانها اعتبارا من تاريخ العمل بها ولا أثر لها فيما وقع قبلها إلا بنص خاص تقره أغلبية أعضاء السلطة التشريعية في مجموعهم[32].

رابعا: جرائم دستورية ترتكبها المجالس العرفية:

12/ في بعض حوادث العنف الطائفي نجد أن المجالس العرفية تقضي بتهجير أحد الأطراف عن محل إقامته، مع الحكم بالحفاظ على ممتلكاته أو مع الحكم ببيع ممتلكاته وعدم عودته إلى القرية مرة ثانية وقد حدث ذلك عدد من المرات نذكر منها[33]:

  • أحداث دهشور في عام 2012 وملخصها مشادة بين مكوجي مسيحي وزبون مسلم انتهت بمشاجرة سقط فيها عدد من القتلي والجرحى، وفي النهاية تم تهجير عدد من الأسر المسيحية من القرية.
  • أحداث قرية (شربات) بمدينة العامرية بمحافظة الإسكندرية ومفادها قصة علاقة بين شاب مسيحي وفتاة مسلمة مما أدى إلى تجمهر السكان المسلمين أمام منزل المسيحي، وقضى المجلس العرفي برعاية بعض المسئولين بتهجير ثمان أسر مسيحية من القرية، وذلك في يناير 2013.
  • أحداث قرية كفر درويش بمحافظة بني سويف يونيو 2015 على إثر قيام شاب مسيحي يعمل في المملكة الأردنية بنشر صور مسيئة للرسول على مواقع التواصل الاجتماعي مما أدى إلى تجمهر الشباب المسلمين أمام منزله ببني سويف محاولين إشعال النار فيه، وعقدت جلسة عرفية بحضور القمص (هاتور) راعي الكنيسة بالقرية انتهت إلى ضرورة رحيل والد الشاب وأسرته بعيدا عن القرية لفترة زمنية حتى تستقر الأمور ويعود الهدوء مرة ثانية مع اشتراط عدم تعرض أحد من القرية لمنازلهم وأراضيهم، ولكن الأمر لم ينته عند هذا الحد حيث قام عدد من المجهولين بإشعال النيران في الأراضي التابعة لبعض الأقباط في القرية، وكذلك إشعال 3 منازل لهم[34].

هذه أمثلة لبعض أحكام المجالس العرفية فيما يخص العنف الطائفي، لا يستطيع قاض أو محكمة القضاء بها لأنها تخالف الدستور وتمثل جرائم حقيقية يجب العقاب عليها، فعمليات التهجير القسري مخالفة للدستور ولا يمكن إجراؤها أو تنفيذها لأنها جريمة لا تسقط بالتقادم، وذلك في ضوء أحكام المادة 63 من الدستور والتي يجري نصها على نحو ما يلي:

(يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله, ومخالفة ذلك جريمة لاتسقط بالتقادم).

وكذلك وفق أحكام المادة رقم 99 والتي تنص على أنه:

(كل اعتداء علي الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين, وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون, جريمة لا تسقط الدعوي الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم, وللمضرور إقامة الدعوي الجنائية بالطريق المباشر.

وتكفل الدولة تعويضا عادلا لمن وقع عليه الاعتداء…..).

كما تمثل تلك الأحكام الصادرة عن المجالس العرفية مخالفة صريحة وواضحة لنص المادة 59 من الدستور والتي تنص على أنه:

(الحياة الآمنة حق لكل إنسان, وتلتزم الدولة بتوفير الأمن, والطمأنينة لمواطنيها, ولكل مقيم علي أراضيها).

13/ في كثير من الأحيان ترى المجالس العرفية أنتهدئة الأوضاع تقتضي نقل الكنيسة من مكان لآخر أو منع الصلوات فيها بشكل مؤقت-كما يقولون لحين تهدئة الأوضاع وهو ما لا يحدث وتظل الكنيسة مغلقة لا تقام فيها الصلوات.

حدث ذلك في عدد من الوقائع ذات الصبغة الطائفية وفي كثير من المدن المصرية، مثل كنيسة الأنبا موسىقرية القشيري التابعة لمركز أبو قرقاص في المنيا[35]، ومثل أحداث قرية كوم اللوفي مركز سمالوط بالمنيا وانتهاء جلسات المجالس العرفية برفض طلب المسيحيين بناء كنيسة لهم داخل القرية والموافقة على بناء كنيسة خارج القرية[36]، ومثل كنيسة الأمير تادرس بقرية “كفر الواصلين” والممنوع إقامة الصلوات بها[37].

ومثل هذه الأحكام القاضية بغلق كنائس أو منع إقامة الصلوات فيها، تحت زعم تهدئة الأوضاع أو أن الأغلبية المقيمة في القرية أو الحي ترفض ذلك ومن ثم يتعين الإذعان لسطوة الأغلبية خشية تفاقم الأوضاع، أمور تهدم فكرة القانون من أساسها، وتمثل اعتداء وجرائم بمخالفتها لأحكام وبنود الدستور المصري، وبحسبانها جرائم وقعت وتقع على حقوق دستورية مستقرة في الوثائق الدستورية المصرية المتعاقبة، بل وهي أيضا حقوق مستقرة في وجدان وضمير الجماعة الإنسانية بذاتها، وترددت في غير قليل من المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة والتي صدقت عليها مصر واعتبرت بذلك جزءا من قوانينها وتشريعاتها واجبة النفاذ.

فالمادة 64 من الدستور المصري كفلت حرية ممارسة العقيدة وشعائرها بالنسبة لأصحاب الديانات السماوية الثلاث وهي اليهودية والمسيحية والإسلام، ولم توقف ممارسة هذا الحق على شيء ولا على أحد ومن ثم فهو حق لا تجوز المماراة فيها تحت أي زعم أو قول ويتعين على الدولة حمايته وكفالته ليس ممن يعملون على تقويضه فقط وإنما أيضا من أحكام ما يسمى بالمجالس العرفية، فالمادة تنص على أنه:

(حرية الاعتقاد مطلقة.

وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون).

ولو افترضنا جدلا أن هذا الحكم الدستوري غير موجود، فإن نص المادة 93 من الدستور على أنه:

(تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر, وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقا للأوضاع المقررة).

ومن ثم فالنص الأخير معضد ومكمل لنص المادة 64، ويمكن أن يغني عنه ويقوم مقامه، حيث انضمت مصر وصدقت على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية[38] والذي يضمن في نصوصه وأحكامه حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية[39]، مع ملاحظة أن نص المادة 64 أقوى أثرا بحسبانه يقرر قاعدة دستورية، بينما النص الآخر يمثل قاعدة قانونية والفارق بينهما كبير لكنهما معا يمنحان حماية متكاملة للحق في حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية لكل مواطن مقيم على أرض مصر.

خامسا المجالس العرفية في ميزان الدستور:

لسنا ضد المجالس العرفية ولا لجان التحكيم بشكل مطلق، إنما نعني بالمجالس العرفية هنا تلك التي تتولى بدعم وإشراف بعض المسئولين الأمنيين أو النواب والنواب السابقين والموظفين التنفيذيين تسوية النزاعات الطائفية، بل إننا أيضا لا نرفض أن يكون للمجالس العرفية دورا في هذه النزاعات ما دامت لم ينتج عنها أية جرائم أو أفعال مؤثمة بموجب القوانين السارية والنافذة، بمعنى أنه ما دامت النزاعات في طور بداياتها أو حدوث احتقان ينذر بوقوع أفعال مؤثمة فيمكن أن تتولى المجالس العرفية دورا في تهدئة الأمور والعمل على نزع فتيل الأزمة المتوقع حدوثها وتقريب وجهات النظر.

أما إذا اشتعلت الأمور فما من ثمة دور لهذه المجالس ولا ولاية لها على ما حدث أو يحدث وتكون ولاية الأمر كله بيد النيابة العامة والقضاء وفق القوانين والتشريعات التي تحكم ما وقع من أفعال وجرائم.

وفيما يخص دور المجالس العرفية في مجال العنف الطائفي في الفترة الماضية وما يمكن أن يكون لها من دور حال بقاء الأوضاع كما هي عليه، نرى أنه مخالف للدستور القائم من عدة أوجه، وذلك على نحو ما يلي:

أ/ من حيث وجودها ووظيفتها وتدخلها في جرائم جنائية:

تنتهك المجالس العرفية من حيث وجودها وتدخلها في وقائع العنف الطائفي عددا من مواد الدستور القائم، وتعتدي عليها اعتداء يستوجب التدخل الفوري لمنعها والعمل على عدم التئام أي مجلس عرفي ووقف تدخله في مثل تلك القضايا والأحداث لمخالفتها للدستور بل واعتدائها علي  أحكامه ومبادئه العامة مثل:

14/ وجود المجالس العرفية وتدخلها يعد مخالفة واضحة لمبدأ المساواة أمام القانون والذي كفلته الدساتير المصرية المتعاقبة ومن بينها الدستور القائم في مادته الرقيمة (53) والتي تنص على أنه:

(المواطنون لدي القانون سواء, وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة, لا تمييز بينهم بسبب الدين, أو العقيدة, أو الجنس, أو الأصل, أو اللون, أو اللغة, أو الإعاقة, أو المستوي الاجتماعي, أو الانتماء السياسي أو الجغرافي, أو لأي سبب آخر.

التمييز والحض علي الكراهية جريمة, يعاقب عليها القانون.

تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء علي كافة أشكال التمييز, وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض).

وذلك أن المجالس العرفية تمثل تمييزا بين طائفتين من المواطنين، ففي حالة وقوع مشاجرة مثلا بين شخصين ذوي ديانة واحدة فلهما الحق في اللجوء إلى القانون والاحتكام إليه والامتثال لما يصدر من القضاة في شأن ما حدث بينهما دون ثمة تدخل يذكر لما يسمى بالمجالس العرفية، بينما نرى أنه لو حدثت تلك المشادة بين طرفين مختلفي الديانة تسارع تلك المجالس مدعومة ببعض الموظفين التنفيذيين وغيرهم إلى التدخل لمنع اللجوء إلى القضاء والإجبار للطرف الأضعف على الامتثال لما قد تصدره تلك المجالس من قرارات، وفي هذا ما فيه من مخالفة واضحة وصارخة لنص وحكم المادة سالف ذكرها.

وغني عن القول أن معظم الوقائع التي تمثل احتقانا طائفيا يكون من مسبباتها مشاجرة عادية بين طرفين مختلفي الديانة، حدث هذا في أحداث قرية (طهنا) الجبل بمحافظة المنيا في عام 2016،  وأحداث قرية بني أحمد الشرقية بالمنيا في عام 2013[40]، وغيرها.

وتقول المحكمة الدستورية العليا في شأن ارتباط المساواة أمام القانون بالحق في التقاضي في أحد أحكامها:

“وحيث أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن الناس لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومات القضائية المتماثلة، ولا في فعالية ضمانة حق الدفاع التي يكفلها الدستور أو المشرع للحقوق التي يدعونها ولا في اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها، ولا في طرق الطعن التي تنظمها، بل يجب أن يكون للحقوق عينها قواعد موحدة سواء في مجال التداعي بشأنها أو الدفاع عنها أو استئدائها أو الطعن في الأحكام المتعلقة بها[41].

كما أكدت المحكمة الدستورية كذلك على أهمية الحق في المساواة أمام القانون ووظيفته الرئيسية باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، حين قالت في حكم لها:

(وحيث أن الدستور أفرد بابه الثالث للحريات والحقوق والواجبات العامة، وصدره بالنص في المادة الأربعين منه على أن المواطنين لدى القانون سواء، وكان الحق في المساواة أمام القانون هو ما رددته الدساتير المصرية المتعاقبة جميعها باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يتوخاها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وتأمين حرياتهم في مواجهة صور من التمييز تنال منها، أو تقيد ممارستها، وغدا هذا المبدأ- في جوهره- وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة والتي لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعمالها إلى تلك التي يقررها القانون ويكون مصدراً لها، وكانت السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق لا يجوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية التي تتحدد وفقاً لشروط موضوعية يتكافأ المواطنون من خلالها أمام القانون)[42].

15/ وجود المجالس العرفية يهدر مبدأ المشروعية والذي يعني سيادة القانون، بمعني خضوع الجميع، الدولة والأفراد لحكم القانون.

فالمجالس العرفية ليست قانونا ولا هي منشئة بموجب قانون، ولا هي تطبق القانون، وبالتالي فمجرد وجودها يعد إهدارا للقانون ولسيادته وانتقاصا من سلطات هيئات إنفاذ القانون وتطبيقه واعتداء واستلابا لحدود ولاية السلطة القضائية واختصاصها الأصيل.

ومبدأ المشروعية أو مبدأ سيادة القانون نصت عليه المادة 94 من الدستور الحالي:

(سيادة القانون أساس الحكم في الدولة.

تخضع الدولة للقانون, واستقلال القضاء وحصانته وحيدته- ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات).

جمعت المادة السابقة بين حكمي المادتين 64 و 65 من دستور 1971، وضمت المادتين معا لتصيرا مادة واحدة في الدستور الحالي، وحسنا فعلت فقد ضمت جناحين من أجنحة الضمانات الدستورية لحقوق الإنسان وحرياته في مادة واحدة وهما سيادة القانون، ومبدأ استقلال السلطة القضائية، وإذا أضفنا لهما مبدأ الفصل بين السلطات فهذه هي ضمانات حماية وصيانة الحقوق والحريات من كل عسف أو جور.

ومبدأ سيادة القانون إذا تم العصف به يفتح الباب واسعا أما العصف بالحقوق والحريات سواء عن طريق السلطات نفسها أو عن طريق الأفراد وهم في مأمن من قبضة القانون وسطوته.

وأحاطت الدستورية العليا المبدأ المذكور بسياج من التفسير والشرح وتحديد تخومه حتى لا يقع المشرع أو غيره في حومة مخالفته وإهداره فقالت:

(وكان حتماً بالتالي أن تقوم الدولة في مفهومها المعاصر- وخاصة في مجال توجهها نحو الحرية- على مبدأ مشروعية السلطة مقترناً ومعززاً بمبدأ الخضوع للقانون باعتبارهما مبدأين متكاملين لا تقوم بدونهما المشروعية في أكثر جوانبها أهمية،ولأن الدولة القانونيه  هي التي تتوافر لكل مواطن في كنفها الضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته، ولتنظيم السلطة وممارستها في إطار من المشروعية، وهي ضمانة يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته لتصبح القاعدة القانونية محوراً لكل تنظيم، وحداً لكل سلطة، ورادعاً ضد العدوان)[43].

كما اعتبرت الدستورية العليا أن مجرد العقوبة المهينة في ذاتها تعتبر إخلالا بمبدأ سيادة القانون وانتقاصا منه وكذلك النيل من الحقوق الوثيقة الصلة بالحرية الشخصية ، وذلك في أحد أحكامها:

(وحيث أن المقرر أن مبدأ خضوع الدولة للقانون- محدد على ضوء مفهوم ديمقراطي- مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية، مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وكرامته وشخصيته المتكاملة، ويندرج تحتها طائفة الحقوق الوثيقة الصلة بالحرية الشخصية بالنظر إلى مكوناتها وخصائصها، ومن بينها ألا تكون العقوبة مهينة في ذاتها، أو كاشفة عن قسوتها، أو منطوية على تقييد الحرية الشخصية بغير انتهاج الوسائل القانونية السليمة، أو متضمنة معاقبة الشخص أكثر من مرة عن فعل واحد، وهذه القاعدة الأخيرة التي كفلتها النظم القانونية جميعها)[44].

وأظهرت المحكمة الدستورية العليا أن مبدأ الشرعية ليس كافيا وحده لتحقيق الأغراض من ورائه بل يلزم أن تكون هناك رقابة على دستورية القوانين وعلى مشروعية القرارات الإدارية بحسبانهما المظهر العملي الفعال لحماية الشرعية وسيادة القانون، وذلك بقولها:

(إن مبدأ الشرعية وسيادة القانون، وهو المبدأ الذي يوجب خضوع سلطات الدولة للقانون والتزام حدوده في كافة أعمالها وتصرفاتها، لن ينتج أثره إلا بقيام مبدأ آخر يكمله ويعتبر ضرورياً مثله، لأن الإخلال به يودي بمبدأ المشروعية ويسلمه إلى العدم، ذلك هو مبدأ الرقابة على دستورية القوانين من جهة، وعلى مشروعية القرارات الإدارية من جهة أخرى، لأن هذه الرقابة القضائية هي المظهر العملي الفعال لحماية الشرعية، فهي التي تكفل تقييد السلطات العامة بقواعد القانون، كما تكفل رد هذه السلطات إلى حدود المشروعية إن هي تجاوزت تلك الحدود, وغني عن البيان أن أي تضييق في تلك الرقابة ولو اقتصر التطبيق على دعوى الإلغاء، سوف يؤدي حتماً إلى الحد من مبدأ المشروعية وسيادة القانون، ولذا يتعين أن تقف سلطة المشرع إزاء حق التقاضي عند حد التنظيم فلا تجاوزه إلى الحظر أو الإهدار)[45].

ولاشك أنه ما من ثمة رقابة من أي نوع على ما يصدر من المجالس العرفية من قرارات أو أحكام، وما من ضمانة للمحتكمين إليها في نيل حقوقهم المشروعة.

16/ على أن أظهر مخالفات المجالس العرفية للدستور تتجلي في بعض أقضيتها التي تناقض وتهدد مبدأ شرعية التجريم والعقوبات، فلكي نحدد وصفا لفعل باعتباره مؤثما يجب أن تقوم بذلك سلطة مختصة، ناط بها الدستور ذلك أو القانون، وكذا الأمر في تحديد العقوبة قرين كل فعل مؤثم، وهو ما عبرت عنه المادة 95 من الدستور حيث نصت على أنه:

(العقوبة شخصية, ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء علي قانون, ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي, ولا عقاب إلا علي الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون).

حددت المادة عاليه هنا أربعة مبادئ مترابطة وهي:

  • أن العقوبة شخصية، بمعني عدم سريانها على غير القائم بالفعل المؤثم، فلا تتجاوزه إلى أحد غيره من ذويه أو من غيرهم، كي لا تخرج العقوبة عن مسارها ووظيفتها فتصبح عقابا جماعيا، يقصد به الإهانة والتنكيل مما يدفع إلى فقدان الثقة فيها كوسيلة للردع.

وفي هذا السياق قضت محكمة النقض بأنه:

(من المقرر أن العقوبة الجنائية تمر بمرحلتين: الأولى مرحلة القضاء بالعقوبة والثانية مرحلة تنفيذها وبالنسبة للمرحلة الأولى فإنه يحكمها مبدأ أساسي لا يرد عليه استثناء هو مبدأ شخصية العقوبة ومقتضاه ألا يحكم بالعقوبة، أيا كان نوعها بما فى ذلك الغرامة، إلا على من ارتكب الجريمة أو شارك فيها ومؤداه كذلك أن يوقع الجزاء الجنائي على كل من ساهم فى ارتكاب الجريمة بحيث يتعدد بتعدد هؤلاء المساهمين ولا يغنى الحكم به على أحدهم عن الحكم على الباقين وتطبيقا لهذا المبدأ العام فى المسئولية الجنائية نصت الفقرة الأولى من المادة 44 من قانون العقوبات على أنه إذا حكم على جملة متهمين بحكم واحد لجريمة واحدة فاعلين كانوا أو شركاء فالغرامات يحكم بها على كل منهم على انفراد وبالنسبة للمرحلة الثانية فإنه وإن كان الأصل هنا أيضا هو سريان مبدأ شخصية العقوبة بحيث لا تنفذ إلا على من صدر الحكم عليه فى نطاق مسئوليته ولا تصيب غيره إلا أن الشارع نص فى حالات محدودة واردة علي سبيل الحصر وبالنسبة لعقوبة الغرامة وحدها علي التضامن في المسئولية بين المحكوم عليهم أى أنه إذا حكم على أكثر من شخص فى جريمة واحدة كل بعقوبة الغرامة، فللدولة اقتضاء مبالغ الغرامات المحكوم بها عليهم جميعا من واحد منهم فقط، ويكون لهذا الأخير أن يرجع على شركائه المتضامنين معه تطبيقا للقواعد العامة للمسئولية التضامنية فى القانون المدني كل بما أداه عنه مما قضى عليه به من غرامة. والتضامن فى هذا المقام لا يقصد به توقيع جزاء عقابي ولكن مجرد تحقيق مصلحة مالية بحتة للخزانة العامة)[46].

  • لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وهذا هو أساس شرعية التجريم والعقاب، وهي وظيفة الشارع دون سواه، لا ينازعه فيها أحد ولا سلطة، فإليه وحده مرد التشريع صياغة وتعديلا وإلغاء. والقول بغير ذلك يهدم أسس الدولة الحديثة ويعود بالبشرية إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث من يقرر ويشرع هو الأقوى والأكثر عددا وعدة.
  • لا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، أي أنه لا يجوز توقيع عقوبة –أية عقوبة – على أي إنسان إلا بموجب حكم قضائي نهائي وبات مع ضمانة أن يكفل له وعلى مستوى المساواة مع غيره الحق في الطعن في هذا الحكم ما لم يرتضه أمام محكمة أعلى، ومخالفة ذلك يسقط الحكم ولا يعول عليه.
  • لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون، وهذا المبدـأ ضمانة هامة لصيانة حقوق الإنسان خاصة من عسف أو جور السلطات الرسمية في الدولة، فلا يتم عقاب أحد على فعل ارتكبه إذا كان مباحا حال فعله ثم تم تأثيمه فيما بعد، فالقوانين بحسب الأصل لا يمكن تطبيقها بأثر رجعي وخاصة في القوانين الجنائية التي تحمل عقوبات سالبة للحرية.

وفي هذا السياق قضت محكمة النقض بأنه:

(ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها وذلك طبقا للقواعد الأساسية لمشروعية العقاب من أنه لا يجوز تأثيم الفعل بقانون لاحق ، إذ أن القوانين الجنائية لا ينسحب أثرها الي الأفعال التى لم تكن مؤثمة قبل إصدارها ، لما كان ذلك ، وكان عقد الزواج قد حرر فى 6 من فبراير سنة 1985 – أى فى تاريخ سابق لنفاذ القانون رقم 100 لسنة 1985 – فانه لايمكن مساءلة الطاعن عن العمل المسند إليه طبقا لأحكام هذا القانون ، ذلك أن واقعة أدلاء الزوج ببيانات غير صحيحة عن حالته الاجتماعية للمأذون هي بطبيعتها من الجرائم الوقتية التى يتم وجودها قانونا فى تاريخ تحرير المأذون لوثيقة الزواج وليست من الجرائم المستمرة حتى يقال بسريان القانون الجديد عليها ، لما كان ما تقدم ، وإذ كان الفعل المسند إلي الطاعن ارتكابه غير معاقب عليها قانونا فى تاريخ حدوثه مما كان يتعين معه القضاء ببراءة الطاعن عملا بالمادة 304 / 1 من قانون الإجراءات الجنائية)[47].

كما قضت ببراءة المتهم في قضية أغذية مغشوشة لعدم احتواء صدور قرار وزاري بشأن تحديد مواصفات منتجات الفاكهة المحفوظة (تنص الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 10 لسنة 1966. على أن الأغذية تعتبر مغشوشة إذا كانت غير مطابقة للمواصفات المقررة ، ولما كان القرار الوزاري بشأن تحديد مواصفات منتجات الفاكهة المحفوظة (المربى) لم يصدر بعد، وكان من المقرر أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ، وكان الفعل المسند إلى الطاعن وهو بيعه مربى مغشوشة لا يكون جريمة، فإن الحكم المطعون فيه يكون مخطئا إذ دانه ويتعين لذلك قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه و براءة المتهم مما نسب إليه)[48] .

وهذه المبادئ الأربعة مفتقدة برمتها فيما يسمى بالمجالس العرفية، فهي أحيانا تتجاوز حدود شخصية العقوبة في طائفة من أحكامها، كما أنها توقع العقوبات وهي ليست جهة قضائية، ولا تتوافر أمام المذعنين لأحكامها أية ضمانات، بل يتم تجريدهم من ضماناتهم التي كفلها لهم القانون، ولا يتم استئناف القرارات أو الأحكام الصادرة منهم ومن ثم فإن وجود مثل هذه المجالس العرفية يعد خرقا لمبدأ الشرعية في حدوده التي بينها النص آنف الذكر.

وذهب فقهاء القانون إلى أن القاضي وهو يحاول تفسير النص القانوني الذي قد يصدر حكما بموجبه عليه ألا يقوده هذا التفسير إلى الإخلال بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وذلك عن طريق خلق جرائم جديدة غير الواردة في نصوص القانون ولذلك يتعين تطبيقا لذلك عدم جواز القياس في تحديد الجرائم والعقوبات وذلك بخلاف تفسير النصوص بطريقة تخرج أفعالا من نطاق التجريم، أو تقدر امتناع المسئولية أو العقاب فإن القياس في هذه الحالة جائز لأنه لا يصطدم بالقاعدة المذكورة[49].

17/ كما أنه تعمل تلك المجالس العرفية على حرمان البعض من حقهم في اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي ليفصل فيما بينهم وفق قانون محدد المعالم متكامل البنيان يحدد أركان الفعل المؤثم والحدين الأدنى والأقصى للعقوبة في ضوء ظروف كل جريمة، كما تنتهي الخصومة القضائية بما يعرف بالترضية القضائية التي تعيد الحق إلى أصحابه وتنصف لهم ممن ارتكب الجرم وبغير هذه الترضية القانونية التي يحددها القاضي مستقلا تغدو الخصومة فارغة من مضمونها ولا أثر لها لدى المجني عليه، وقد نص الدستور في المادة رقم 97 منه على أنه:

(التقاضي حق مصون ومكفول للكافة. وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضي, و تعمل علي سرعة الفصل في القضايا, ويحظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء, ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي, والمحاكـم الاستثنائية محظورة).

وقد أرست هذه المادة عددا من المبادئ الدستورية وهي:

  • أن التقاضي حق مكفول للكافة، بمعنى أنه لا يجوز حرمان طائفة أو فئة أو مجموعة من الناس من الحق في التقاضي، سواء تم ذلك عن طريق السلطات الرسمية، أو عن غير طريقهم، والقول بغير ذلك يفتح الباب أمام الجميع للانتصاف لأنفسهم بعيدا عن ساحات القضاء بما يهدد قوام الدولة ويهدم فكرة الحقوق والحريات.

(وإذ كان المشرع الدستوري بنصه على أن” لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي ” قد دل على أن هذا الحق فى أصل شرعته هو حق للناس كافة تتكافأ فيه مراكزهم القانونية فى سعيهم لرد العدوان على حقوقهم وقائماً على مصالحهم الذاتية ،وأن الناس جميعاً لا يتمايزون فيما بينهم فى مجال حقهم فى النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي ،ولا فى نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التى تحكم الخصومة القضائية ،ولا فى مجال التداعي بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغي دائما أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء فى مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن فى الأحكام التى تصدر فيها ،وكان مجلس الدولة قد غدا فى ضوء الأحكام المتقدمة قاضى القانون العام ،وصاحب الولاية العامة دون غيره من جهات القضاء بالفصل فى كافة المنازعات الإدارية ،إلا ما يتعلق منها بشئون أعضاء الجهات القضائية المستقلة الأخرى التى ينعقد الاختصاص بنظرها والفصل فيها لتلك الجهات ،سواء ورد النص على ذلك صراحة فى الدستور أو تركه للقانون ،كذلك يخرج عن نطاق الولاية العامة لمجلس الدولة – الفصل فى كافة المنازعات الإدارية الخاصة بالقرارات الصادرة فى شأن ضباط وأفراد القوات المسلحة،فينعقد الاختصاص بها للجان القضائية الخاصة بهم طبقاً لنص المادة (196) من الدستور الحالي)[50].

  • تلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضي، بمعنى أن تعمل الدولة على أن يكون بكل تجمع لمواطنيها محكمة يمكنهم اللجوء إليها وذلك فرع من فروع الحق في التقاضي وتيسيره حتى لا يكون عسيرا بعيد المنال على البعض خاصة ممن هم في أطراف الدولة حيث قد يحول بعد المسافة بينه وبين أقرب محكمة له دون ممارسته لحقه في التقاضي إن رأى لذلك ما يستدعيه.
  • تعمل الدولة على سرعة الفصل في القضايا، فإذا كانت الترضية القضائية هي نهاية المطاف في الخصومة المعروضة على القضاء فيجب أن تكون في وقت معقول ولا تستطيل أمدا طويلا يفقد المحتكم إليها صبره وثقته في العدالة فينقلب ذلك إلى محاولته استقضاء حقه أو يرهقه ماديا فلا يملك مواصلة التقاضي، كما تعمل الدولة على زيادة أعداد القضاة وأعضاء النيابة بما يضمن سرعة الفصل في القضايا وعدم تكدسها.

(وحيث أن قضاء المحكمة الدستورية العليا، قد جرى على إن إنكار أو تقييد الحق في الترضية القضائية، سواء بحجبها عمن يطلبها ابتداء، أو من خلال تقديمها متراخية أو متباطئة دون مسوغ، أو إحاطتها بقواعد إجرائية تكون معيبة في ذاتها عيباً جوهرياً، إنما يعد إهداراً أو تهويناً من الحماية التي يفرضها الدستور أو القانون للحقوق التي وقع الإخلال بها…..، وحيث أن الترضية القضائية التي لا تقترن بوسائل تنفيذها، لحمل الملزمين بها على الرضوخ لها، تغدو وهماً وسراباً، وتفقد قيمتها عملاً، بما يؤول إلى تجريدها من قوة نفاذها، وإهدار الحقوق التي كفلتها، وتعطيل دور السلطة القضائية في مجال تأمينها، وإفراغ حق اللجوء إليها من كل مضمون، وهو كذلك تدخل في أخص شئونها، وعدوان على ولايتها، بما يقلص دورها، وينال من الحدود التي تفصل بينها وبين السلطتين التشريعية والتنفيذية، يؤيد ذلك أن الحماية القضائية للحق أو الحرية- على أساس من سيادة القانون والخضوع لأحكامه- لازمها التمكين من اقتضائها، والعمل من أجل تنفيذها، ولو باستعمال القوة عند الضرورة)[51].

  • تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، وهو متضمن أصلا في حدود الحق في التقاضي، وفضَّل المشرع الدستوري تأكيده والنص عليه منفردا كضمانة إضافية لحماية وصون الحقوق والحريات.

(وحيث إن المادة 68 من الدستور تنص على أن “التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي… ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء”. وظاهر من هذا النص أن الدستور لم يقف عند حد تقرير حق التقاضي للناس كافة كمبدأ دستوري أصيل بل جاوز ذلك إلى تقرير مبدأ حظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء. وقد خص الدستور هذا المبدأ بالذكر رغم أنه يدخل في عموم المبدأ الأول الذي يقرر حق التقاضي للناس كافة، وذلك رغبة من المشرع الدستوري في توكيد الرقابة القضائية على القرارات الإدارية وحسما لما ثار من خلاف في شأن عدم دستورية التشريعات التي تحظر حق الطعن في هذه القرارات. وقد ردد النص المشار إليه ما أقرته الدساتير السابقة ضمنا من كفالة حق التقاضي للأفراد وذلك حين خولتهم حقوقا لا تقوم ولا تؤتي ثمارها إلا بقيام هذا الحق باعتباره الوسيلة التي تكفل حمايتها والتمتع بها ورد العدوان عليها)[52].

  • لا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي والمحاكم الاستثنائية محظورة، والقاضي الطبيعي هو القاضي المؤهل للفصل في قضايا معينة بالنظر إلى طبيعتها، تأهيلا قانونيا، في محكمة منشأة بموجب أحكام القانون وليس غير ذلك.

(إن الدستور بما نص عليه في المادة (68) منه، من ضمان حق كل مواطن في اللجوء   إلى قاضيه الطبيعي لرد ما يقع من عدوان على الحقوق التي يدعيها قد دل على أمرين: أولهما: أن لكل مواطن أن يسعى بدعواه إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعتها، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيأ دون غيره للفصل فيها. ثانيهما: أن الناس جميعها لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي ولا في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية عينها، ولا في فعالية ضمانة الدفاع التي يكفلها الدستور والمشرع للحقوق التي يدعونها، ولا في اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها، ولا في طرق الطعن التي تنتظمها بل يجب أن يكون للحقوق عينها، قواعد موحدة سواء في مجال التداعي بشأنها، أو الدفاع عنها، أو استدعائها، أو الطعن في الأحكام التي تتعلق بها)[53].

18/ كما أنه لا شك أن المجالس العرفية حال تدخلها لتسوية النزاعات بين الناس وإصدارها أحكاما أو قرارات تعمل على تنفيذها بموجب توقيع طرفي الخصومة على إيصالات بمبالغ مالية كبيرة ضمانا لعدم نكوصهما عما أصدرته، يمثل ذلك عدوانا على استقلال السلطة القضائية واستلابا لاختصاصاتها وولايتها العمومية بالنظر في أية جرائم تقع في جمهورية مصر العربية والفصل فيها.

واستقلال السلطة القضائیة عن غيرها من السلطات, يعد من أبرز مبادئ دولة القانون، سواء استقلالها مالیا أو إداریا أو رقابیا, والأهم هو  استقلال الجماعة القضائیة في أدائها لوظیفتها, وهو الفصل في المنازعات القانونیة, أو الخصومات القضائیة, وفق التعبیر الرائج في الفقهالمصري والمقارن. ولاشك أن الوظیفة القضائیة تتطلب هذا الاستقلال, وذلك لتحقیق الاستقرار القانوني والاقتصادي والاجتماعي في البلاد[54].

واستقلال القضاء له مفهوم ضیق ومفهوم واسع , المفهوم الضیق لاستقلال القضاء هو المرتبط بشخص القاضي الجالس علي المنصة والذي یحتكم إلي ضمیره ووجدانه في تحقیق العدالة بین المتنازعین ولا سلطان عليه في قضائه إلا ما یمليه عليه ضمیره وأحكام القانون بمعني عدم جواز التدخل في قضائه من أیة جهةمهما علا شأنها،واستقلال القضاء بهذا المفهوم الضیق متحقق منذ نشأة القضاء في مصر,أما المفهوم الواسع لاستقلال القضاء: فیتمثل في عدم قابلیة القضاة للعزل بغیر الطریق التأدیبي واستقلال السلطة القضائیة بموازنة مستقلة وعدم تدخل السلطتین التشریعیة والتنفیذیة في أعمال السلطة القضائیة[55].

ومن ثم تخالف المجالس العرفية حال تدخلها في قضايا العنف الطائفي أحكام المادة رقم 184 من الدستور والتي تنص على أنه:

(السلطة القضائية مستقلة, تتولاها المحاكم علي اختلاف أنواعها ودرجاتها, وتصدر أحكامها وفقا للقانون, ويبين القانون صلاحياتها, والتدخل في شؤون العدالة, أو القضايا جريمة لا تسقط بالتقادم).

والتدخل في شئون العدالة أو القضايا كما أظهرت تلك المادة يعتبر جريمة لا تسقط بالتقادم، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام المهتمين بشئون العدالة بإدانة المجالس العرفية وفق هذا النص الدستوري من لحظة بدايتها وعملها في قضايا العنف الطائفي حتى اليوم.

فالسلطة القضائية هي سلطة أصيلة تقف على قدم المساواة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتستمد وجودها وكيانها من الدستور ذاته  ، وقد ناط بها الدستور وحدها أمر العدالة مستقلة عن باقي السلطات، ولازم ذلك أن المشرع لا يملك بتشريع منه إهدار ولاية تلك السلطة كلياً أو جزئياً[56].

فليست مهمة القضاء مقصورة على نوع واحد من الحماية هو حماية الشعب، وإنما مهمته حماية النظام القانوني بأسره ممثلاً لقيم الشعب ومفاهيمه. إنه هو الملاذ القانوني الوحيد لحماية الحريات، كما انه الحارس للشرعية وللنظام القانوني[57].

واستقلال القضاء هو المدخل لمبدأ سيادة القانون، ودون استقلال السلطة القضائية يغدو مبدأ سيادة القانون مجردا من معناه فارغا من جوهره، وهو ما أكدته الدستورية العليا بقولها:

(يؤيد ذلك أن هذا الاستقلال- في جوهر معناه وأبعاد آثاره- ليس مجرد عاصم من جموح السلطة التنفيذية يكفها عن التدخل في شئون العدالة، ويمنعها من التأثير فيها إضراراً بقواعد إدارتها، بل هو فوق ذلك، مدخل لسيادة القانون، بما يصون للشرعية بنيانها، ويرسم تخومها، تلك السيادة التي كفلها الدستور بنص المادة 64، وقرنها بمبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه في المادة 65، ليكونا معاً قاعدة للحكم فيها، وضابطاً لتصرفاتها)[58].

ومجرد تدخل أية جهة لتعديل الآثار القانونية المترتبة على حكم قضائي يعد إهدار لاستقلال السلطة القضائية حتى لو كانت الجهة المشار إليها جهة منشأة بموجب قرار تشريعي، فما بالنا بجهة خارجة عن كل هذا؟. وفي هذا السياق تقول المحكمة الدستورية العليا:

(وكان مما ينافي قوة الحقيقة القانونية التي تكشفها الأحكام القضائية وتعبر عنها، أن يخول المشرع جهة ما، أن تعدل من جانبها الآثار القانونية التي رتبها الحكم القضائي، ما لم تكن هذه الجهة قضائية بالنظر إلى خصائص تكوينها، وكان موقعها من التنظيم القضائي، يخولها قانوناً مراقبة هذا الحكم تصويباً لأخطائه الواقعية أو القانونية أو كليهما معاً، فإذا لم تكن الجهة كذلك، فإن تعديل منطوق الحكم أو الخروج عليه، يعد عدواناً على ولاية واستقلال القضاء، وتعطيلاً لدوره في مجال صون الحقوق والحريات على اختلافها بالمخالفة للمادتين 65، 165 من الدستور)[59].

ب/ المجالس العرفية من حيث أحكامها وقراراتها:

تنتهي كثير من الجلسات العرفية بتهجير أسرة أو أكثر من محل إقامتهم بحجة تهدئة الأوضاع ونزع فتيل الفتنة، أو بالإذعان بعدم إقامة الشعائر الدينية في كنيسة ما بزعم أنها كانت منزلا وتم تحويله إلى كنيسة دون ترخيص، أو بوجوب بناء الكنيسة خارج القرية أو المكان الذي تمت فيه الحوادث الطائفية[60].

وتلك الأحكام الصادرة من المجالس العرفية تمثل جرائم جنائية مكتملة الأركان فضلا عن مخالفتها للعديد من المبادئ التي أقرتها مواد الدستور.

19/ فالتهجير والذي قضي به في عدد من الحالات مثل دهشور والعامرية وأسيوط يعتبر مخالفة واضحة وصريحة لنص المادة 63 من الدستور:

(يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله, ومخالفة ذلك جريمة لاتسقط بالتقادم).

هذه المادة استحدثها دستور مصر الحالي ولم تكن موجودة في الدساتير السابقة، وحسنا فعل المشرع الدستوري بإيرادها والنص عليها لمواجهة حالات التهجير القسري التي تحدث في مصر على فترات والتي يكون غالب ضحاياها من المسيحيين المصريين. وبالتالي لن نجد لها تطبيقا قضائيا أمام إحدى المحاكم العليا في مصر حتي الان .

وكذلك لنص المادة 62 الخاصة بالحق في التنقل والتي تنص على أنه:

(حرية التنقل، والإقامة، والهجرة، مكفولة. ولا يجوز إبعاد أى مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعهمن العودة إليه. ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة فى جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفى الأحوال المبينة فى القانون).

والتهجير القسري هو ممارسه تنفذها حكومات أو مجموعات متعصبة أو قوي شبه عسكرية ضد مجموعات دينية أو مذهبية، بغرض إخلاء مكان أو منطقه معينة ويرتبط بالتطهير العرقي، الذي أعتبره نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جريمة حرب[61] .

ومن ثم قضت المحكمة الدستورية العليا بما يلي:

(تعتبر حرية الانتقال غدواً ورواحاً- بما تشتمل عليه من حق مغادرة الإقليم- حقاً لكل مواطن يمارسها بما لا يعطل جوهرها وإن جاز أن يتدخل المشرع لموازنتها بمصلحة يقتضيها الأمن القومي، وحيث أن المادة (50) من الدستور تردد هذه الحرية بذاتها بإطلاقها حق كل مواطن- وفيما عدا الأحوال التي يبينها القانون- في أن يقيم في الجهة التي يختارها داخل بلده، فلا يرد عنها ولا يحمل على أن يتخذ غيرها مقراً دائماً)[62].

20/ ومنع بناء الكنائس أو منع الصلوات وإقامة الشعائر الدينية يعد خروجا صارخا على نص المادة 64 من الدستور والتي تنص على أنه:

(حرية الاعتقاد مطلقة.

وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون).

واطردت أحكام القضاء المصري على إقرار حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية، فقضى مجلس الدولة في الدعوى رقم 615 لسنة 5 قضائية بأنه:

“إن إقامة الشعائر الدينية لكل الطوائف قد كفلها الدستور في حدود القوانين والعادات المرعية وأن مصلحة الأملاك قد وافقت علي بناء الكنيسة بشرط موافقة الجيران ويعد هذا تنازلا منها عن الشرط الخاص بوجوب بناء منزل للسكن علي الأرض المبيعة وهو في الوقت ذاته إقرار منها بأن الملاك المجاورين هم أصحاب الشأن فيما لو خالفت الجمعية الشروط فلا حق لها بعد ذلك في الاعتراض وقد وافق جميع الملاك علي بناء الكنيسة عدا واحدا وظاهر من اعتراضه أنه غير جاد إذ لم يبين السبب الذي من أجله يعترض علي طلب الجمعية ولا يكفي أن يقول إن ذلك يضر بمصلحته فهو قول مبهم غامض ولا يعتد به وأن تمسك الإدارة بضرورة موافقة الجيران علي بناء الكنيسة أمر لا يقره القانون وهو مشوب بسوء استعمال السلطة.

وانتهي مجلس الدولة إلي القول بأنه ليس في تعليمات وزارة الداخلية نص يمكن اتخاذه تكأة لمنع بناء الكنيسة بسبب قلة عدد الأقباط ووجود كنيستين في بورسعيد إذ لا تتضمن التعليمات حدا أدني لعدد الأفراد الذين يحق لهم طلب إقامة كنيسة ومن ثم يكون تعلل الإدارة بهذا السبب لا سند له من القانون ويكون قرار رفض الترخيص بإنشاء الكنيسة قد بني علي أساس غير سليم من القانون ويتعين رفضه”.

كما قضت المحكمة العليا في السياق ذاته بأنه:

(التزم في جميع الدساتير المصرية مبدأ حرية العقيدة وحرية إقامة الشعائر الدينية باعتبارهما من الأصول الدستورية الثابتة المستقرة في كل بلد متحضر فلكل إنسان أن يؤمن بما يشاء من الأديان والعقائد التي يطمئن إليها ضميره وتسكن إليها نفسه، ولا سبيل لأي سلطة عليه فيما يدين به في قرارة نفسه وأعماق وجدانه. أما حرية إقامة الشعائر الدينية وممارستها فهي مقيدة بقيد أفصحت عنه الدساتير السابقة وأغفله الدستور القائم وهو “قيد عدم الإخلال بالنظام العام وعدم منافاة الآداب” ولا ريب أن إغفاله لا يعني إسقاطه عمداً وإباحة إقامة الشعائر الدينية ولو كانت مخلة بالنظام العام أو منافية للآداب. ذلك أن المشرع رأى أن هذا القيد غني عن الإثبات والنص عليه صراحة باعتباره أمراً بديهياً وأصلاً دستورياً يتعين إعماله ولو أغفل النص عليه أما الأديان التي يحمي هذا النص حرية القيام بشعائرها فقد استبان من الأعمال التحضيرية لدستور سنة 1923 عن المادتين 12، 13 منه وهما الأصل الدستوري لجميع النصوص التي رددتها الدساتير المصرية المتعاقبة أن الأديان التي تحمي هذه النصوص ومنها نص المادة 46 من الدستور الحالي حرية القيام بشعائرها إنما هي الأديان المعترف بها وهي الأديان السماوية الثلاثة)[63].

ونلاحظ هنا أن حرية ممارسة الشعائر الدينية مقصور بموجب الدساتير المصرية المتعاقبة نصا أو من خلال الأعمال التحضيرية لها على أصحاب الديانات السماوية الثلاث وهي: الإسلام والمسيحية واليهودية، ومن ثم فأي تعطيل أو انتقاص لحرية ممارسة شعائر هذه الأديان للمنتمين إليها يعد مخالفة لما قرره الدستور.

21/ وبالجملة تعد أحكام المجالس العرفية وما يسبقها من أحداث طائفية، ترتكب خلالها جرائم جنائية من قبيل الاعتداء على حق كل إنسان في الحياة الآمنة ومن ثم فهي تخالف حكم المادة 59 من الدستور المصري والتي تنص على أنه:

(الحياة الآمنة حق لكل إنسان, وتلتزم الدولة بتوفير الأمن, والطمأنينة لمواطنيها, ولكل مقيم علي أراضيها).

وخلاصة القول فإن وضع المجالس العرفية في مصر بميزان القانون:

  • تمثل هذه المجالس اعتداء على سيادة القانون، وتنال من هيبة دولة القانون.
  • تعد المجالس العرفية إهدارا لمبدأ استقلال السلطة القضائية.
  • وجود المجالس العرفية ينال من مبدأ شرعية التجريم والعقوبات.
  • تنال المجالس بوضعها الحالي من مبدأ المساواة أمام القانون وأمام القضاء.
  • تمثل أحكام هذه المجالس وما يصدر عنها مخالفة لحرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية.
  • كما تمثل أحكامها أحيانا اعتداء صارخا على الحق في الحياة الآمنة، وهو ما يتقاطع مع ألزام الدستور للدولة بتوفير الأمن والطمأنينة ليس لمواطنيها فحسب وإنما يمتد هذا الالتزام لكل مقيم على أراضيها.

ونوصي هنا:

  • العمل على إلغاء المجالس العرفية في مجال العنف الطائفي.
  • حظر ممارسة أي دور للمجالس العرفية في الجرائم الجنائية.
  • تقنين دور المجالس العرفية في فروع القانون التي يلعب فيها العرف دورا مثل الأحوال الشخصية، القانون التجاري.

[1]جمال الدين أحمد سلامة العطيفي وزير إعلام مصري سابق ووزير سابقللثقافة ، من مواليد محافظةأسيوط عام 1925 حاصل علي الدكتوراه في القانون من جامعة القاهرة عام 1964 وتوفي عام 1983.

[2]الخانكة قرية من قرى محافظة القليوبية شمال القاهرة، وقعت بها أحداث طائفية تمثلت في إحراق إحدى الجمعيات المسيحية الملحق بها قاعة لممارسة الشعائر الدينية.

[3]صدر القانون في نوفمير 2016، وما زالت لجنة توفيق الأوضاع المشكلة وفق أحكامه تنظر في أمر الكنائس التي قدمت طلبات للجنة لتوفيق أوضاعها، وإلى اليوم لم يتم بناء كنيسة جديدة وفق أحكام هذا القانون إلا الكاتدرائية التي تم بناؤها في العاصمة الإدارية الجديدة وفق توجيهات من السيد رئيس الجمهورية.

[4]يجري نص المادة الأولى من القانون المدني على نحو ما يلي: (تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها. 2- فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه، حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد، فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم توجد، فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.

[5]اللواء محمد عبد الحليم موسى وزير الداخلية الخامس في عهد مبارك في الفترة من 1990-1993، ومحافظ أسيوط في الفترة من 1987-1990، وعرف باسم شيخ العرب لطريقته في حل مشكلات المحافظة عن طريق الجلسات العرفية.

[6]ويبلغ عدد المتقاضين 3 ملايين مواطن سنويا من جملة 17 مليون موزعين على 105 قبائل يحتكمون إلى المجالس العرفية ولا يلجئون إلى محاكم الدولة، وإذا حدث ولجأ واحد منهم إلى محاكم الدولة يسقط حقه فى الاحتكام إلى الجلسات العرفية إذا لم يتم إنصافه. المصدر: موقع جريدة الوفد تحقيق استقصائي بعنوان: المجالس العرفية دستور القبائل.

[7]راجع الطعن بالنقض رقم 578 لسنة 35 قضائية جلسة 22 إبريل 1972.

[8]/ راجع الطعن بالنقض رقم  8757 لسنة 64ق جلسة 15/ 5/ 1996.

[9]/ الدكتور محمد حسن قاسم، المدخل لدراسة القانون: القاعدة القانونية-نظرية الحق، الجزء الأول 2006، ص 256.

[10]للمزيد يمكن مراجعة الدكتور محمد حسن قاسم، مرجع سابق، ص 258 وما بعدها، وكذلك الدكتور محمد حسين منصور، المدخل إلى القانون/ القاعدة القانونية، ص 209 وما بعدها، منشورات الحلبي القانونية.

[11]الدكتور محمد حسين منصور، المدخل إلى القانون/ القاعدة القانونية، ص 209، منشورات الحلبي القانونية.

[12]مشار إليه في هامش رقم 2 من الدكتور محمد حسين منصور، مرجع سابق، ص 211.

[13]https://www.albayan.ae/one-world/2008-10-28-1.686763

[14]أ: وليد عتلم، https://www.mobtada.com/details/253768

[15]الجريدة الرسمية العدد 19 بتاريخ 9 مايو 1968.

[16]المادة مستحدثة ولم يكن لها مقابل في قانون المرافعات الملغي. مجموعة التشريعات المصرية، قانون المرافعات والتحكيم، إعداد الدكتور أحمد عطية إبراهيم، الطبعة 2، ص39، هامش 1.

[17]المادة 43 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.

[18]الطعن رقم 1724 لسنة 77 ق، جلسة  6 يوليو 2015.

[19]الطعن رقم 35979 لسنة 52 قضائية، جلسة 15 يونيو 2010.

[20]الدعوى رقم  11 لسنة 24 قضائية دستورية بجلسة 9 مايو 2004.

[21]المادة 4 من القانون.

[22]الطعن بالنقض رقم 275 لسنة 36 قضائية، جلسة 16 فبراير 1971.

[23]المادة 12 من القانون.

[24]حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 92 لسنة 21 قضائية دستورية بجلسة 6 يناير سنة 2001

[25]الدعوى رقم 95 لسنة 20 قضائية دستورية، جلسة 11 مايو 2003.

[26]الدعوى رقم 26 لسنة 27 قضائية دستورية، بجلسة 13 يناير 2008.

[27]موقع بوابة الشروق

http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=26102013&id=74a2cd2d-a730-4514-96be-f19d55835101

[28]أ/ نجلاء مرعي، المسألة القبطية بعد ثورة 25 يناير في إطار الجماعة الوطنية، مؤمنون بلا حدود 2017، ص 9.

[29]أ/ نجلاء مرعي، المرجع السابق، ص 9.

[30]الدعوى رقم 2891 لسنة 37 قضائية.

[31]الدعوى رقم 48 لسنة 17 قضائية دستورية جلسة 22 فبراير 1997.

[32]المرجع السابق.

[33]لم نذكر هنا أحداث مدينة العريش واستهداف الأقباط هناك في مطلع 2017 مما أدى إلى هجرتهم قسريا من بيوتهم وتركهم أعمالهم تحت وطأة عمليات القتل التي استهدفتهم من قبل التنظيمات الإرهابية، ونزوحهم إلى مدن القناة الثلاث في مشهد يندى له الجبين في أكبر عملية تهجير قسري حدثت في مصر، والسبب وراء عدم ذكرنا لهذه الواقعة وتحليلها هو أنها لم تكن نتاج قرار لمجلس عرفي أو حكم أصدره مجلس عرفي في نزاع طائفي بينهم وبين المسلمين، ومن ثم خرجت هذه الواقعة عن مجال دراستنا تلك، لكنها تدرج ضمن التهجير القسري وضمن حوادث العنف الطائفي بلا شك.ولم تكن تلك الحادثة الوحيدة فقد سبقها في سبتمبر 2012 توزيع منشور من الجماعات الإرهابية يمهل مسيحي رفح 48 ساعة قبل الرحيل عنها، ثم هجوم ملثمين على الأقباط ومحالهم وبيوتهم مما أدى إلى تهجير قسري لهم عن المدينة. فضلا عن استهداف وتدمير الكنائس في سيناء خلال ذات الفترة.

[34]https://masreiat.net/news/2017/feb/25/50837

[35]موقع مدى مصر:

www.madamasr.com/ar/2017/10/29/news/u/بعد-إغلاق-4-كنائس-في-المنيا-الأنبا-مكار/

[36]صبري حسن، تقرير المساواة وعدم التمييز عن الفترة من ديسمبر 2017 حتى مارس 2018.

[37]المرجع السابق.

[38]وقعت مصر على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في 8 إبريل 1967، وقامت بالتصديق عليه بتاريخ 14 يناير 1982 بموجب القرار الجمهوري رقم 536 لسنة 1981، ونُشرت الاتفاقية في الجريدة الرسمية بتاريخ 15 إبريل 1982 بالعدد رقم (15) وذلك بموجب أحكام المادة 151 من دستور مصر الدائم الصادر في عام 1971.

[39]تنص المادة 18 من هذا العهد على أنه:

أ/ لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.

ب/ لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.

ج/ لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.

[40]لمزيد من التفاصيل في هذا الشأن يرجى الرجوع إلى دكتور شريف اللبان، أسماء حافظ: قراءة واقعية في تاريخ الفتنة الطائفية وواقعها المعاصر في مصر/ المركز العربي للبحوث.

http://www.acrseg.org/40312

[41]الدعوى رقم 2 لسنة 22 قضائية دستورية جلسة 14 إبريل 2002

[42]الدعوى رقم35 لسنة 9 قضائية دستورية جلسة 14 أغسطس 1994.

[43]صبري حسن، دور المحكمة الدستورية العليا في حماية حقوق الإنسان، مطبوعات البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان 2005، ص 95، الطبعة الأولى.

[44]المرجع السابق، دور المحكمة الدستورية العليا في حماية حقوق الإنسان ص 96.

[45]الدعوى رقم 13 لسنة 7 قضائية دستورية، جلسة 16 إبريل 1997.

[46]الطعن رقم 1074 لسنة 49 ق جلسة 1980/1/6

[47]الطعن رقم 2597 لسنة 59 ق جلسة 28 مارس 1991.

[48]الطعن رقم 1661 لسنة 39 ق جلسة 12 يناير 1970.

[49]الدكتور ياسر بهنس: الجرائم الضريبية، مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولي 2015، ص 39.

[50]المحكمة الإدارية العليا، الطعن رقم  14678 لسنة 52 القضائية عليا، بجلسة 1 مارس 2014

[51]الدعوى رقم 15 لسنة 17 قضائية دستورية، جلسة 21 ديسمبر 1995.

[52]الدعوى رقم 18 لسنة 5 قضائية دستورية، بجلسة 6 يونيو 1987.

[53]الدعوى رقم 9 لسنة 16 قضائية دستورية بجلسة 5 أغسطس 1996.

[54]الدكتور نيل عبد الفتاح القضاة والسلطة: السعي للاستقلال، مجلة الديمقراطية.

http://democracy.ahram.org.eg/UI/Front/InnerPrint.aspx?NewsID=322

[55]المستشار زكريا شلش: التشريع المصري، خطوات نحو استقلال السلطة القضائية، مجلة الديمقراطية.

http://democracy.ahram.org.eg/UI/Front/InnerPrint.aspx?NewsID=282

[56]الدعوى رقم 11 لسنة 5 قضائية عليا بجلسة 3 إبريل 1976.

[57]صبري حسن، دور المحكمة الدستورية العليا، مرجع سابق ص 105.

[58]الدعوى رقم 27 لسنة 16 قضائية دستورية، جلسة 15 إبريل 1994.

[59]المرجع السابق.

[60]للتفاصيل في شأن الحوادث الطائفية وتاريخها منذ القرن التاسع عشر حتى 2015 يمكن الرجوع لدراسة الدكتور شريف اللبان بعنوان: قراءة واقعية في تاريخ الفتنة الطائفية وواقعها المعاصر في مصر/ المركز العربي للبحوث.

http://www.acrseg.org/40312

ولمزيد من التفاصيل حول المجالس العرفية وأحكامها في الفترة من 2011 حتى 2015 يمكن الرجوع إلى: في عرف من؟ دور الجلسات العرفية في النزاعات الطائفية ومسئولية الدولة، دراسة صادرة عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في عام 2015.

كما يمكن الرجوع إلى بيانات بيت العائلة المصري المنشأ بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم رقم 1279 لسنة 2011

[61]التهجير القسري جريمة لا تسقط بالتقادم، موقع جريدة الأهرام.

[62]الدعوى رقم 23 لسنة 16 قضائية دستورية.

[63]الدعوى رقم 7 لسنة 2 قضائية عليا، بجلسة 1 مارس 1975.

مقالات ذات صلة